ضجّت وسائل الإعلام الجزائرية بروايات وأخبار متضاربة بشأن ملابسات تعرض الرجل الثاني في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الشيخ علي بلحاج، أول من أمس، لمحاولة اغتيال. ووفقاً لما نقلته الصحف الجزائرية عن مصادر أمنية، فإن محاولة الاغتيال وقعت في المسجد الذي تعوّد بلحاج الصلاة والخطابة فيه، في حي «القبة»، في العاصمة الجزائرية. وذهبت بعض الصحف المقرّبة من الاستخبارات الجزائرية إلى حدّ القول إن تدافعاً قد حدث بين أنصار الشيخ بلحاج أثناء محاولة الاغتيال، ما منع الجاني من تنفيذ جريمته.
وكان واضحاً أن وسائل الإعلام الجزائرية وقعت في حرج كبير، حيث إنها تسابقت في نشر الخبر والسعي لرصد تفاصيل محاولة الاغتيال، لكن لم تتجرأ أيّ منها على الاتصال بالشيخ علي بلحاج لسؤاله عما حدث بالضبط، وذلك لأن السلطات الجزائرية أصدرت بحق بلحاج قراراً قضائياً من أغرب التشريعات التي اتُّخذت في البلاد منذ إقرار حالة الطوارئ، عام 1992، إذ لأن بلحاج أُطلق سراحه برفقة رئيس جبهة الإنقاذ الدكتور عباسي مدني، عام 2003، بعد انقضاء فترة عقوبته، وبعد أن قضى 19 سنة في السجن، فإن السلطات العسكرية أصدرت قراراً يرهن بقاءه حراً بعدم ممارسته أي نشاط سياسي أو إدلائه بأي تصريح لوسائل الإعلام. وهو ما رفض بلحاج الالتزام به، مؤكداً أنه لم يفاوض على أي شروط لإطلاق سراحه، وأنه مستعد للعودة إلى السجن بدل الالتزام بتلك القيود التي قال إنها «غير شرعية وغير دستورية». لكن وسائل الإعلام الجزائرية تتفادى التحدث إلى بلحاج، منذ إطلاقه، خشية إثارة حفيظة الأجهزة الاستخبارية.
ومع انتشار خبر محاولة الاغتيال، اكتفت بعض الصحف الجزائرية المعتدلة بالتواصل مع شقيق علي بلحاج، عبد الحميد، الذي تعوّد التحدث باسم شقيقه أيام كان مسجوناً. وأكد عبد الحميد بلحاج خبر محاولة الاغتيال، وأضاف أن أجهزة الأمن اقترحت على علي بلحاج حراسة شخصية، لكنه رفض ذلك، قائلاً إنه «يفضّل تسليم أمره لله». أما عن ملابسات محاولة الاغتيال، فقال عبد الحميد «يجب أن يُسأل عنها علي بلحاج نفسه، لأنه أدرى بما حدث».
في اتصال هاتفي معه، شكّك علي بلحاج في ما سمّاه «الرواية الأمنية الرسمية» لمحاولة اغتياله. وقال لـ«الأخبار»: «استدعتني مصالح الأمن التابعة لولاية الجزائر، وأبلغتني أن شخصاً جاء من سيدي بلعباس (غرب البلاد) بنية قتلي، لأنني أنا المسبّب في المأساة الوطنية» (سنوات الإرهاب حسب زعمه). وتابع بلحاج: «سألتني مصالح الأمن هل أنوي التقدم بشكوى قضائية ضد هذا الشخص، فقلت إنني لا أريد فعل ذلك، لأنني لا أعلم عن القضية سوى ما أبلغتني إياه الشرطة». ونفى بلحاج نفياً قاطعاً أن يكون الشخص المذكور قد اقتحم المسجد الذي كان يصلي فيه، قائلاً إن «مزاعم بعض الصحف أن تدافعاً قد حدث في المسجد، ما حال دون تنفيذ الاغتيال، هي مزاعم عارية تماماً من الصحة». وأضاف «أنا كنت في مسجد، وذلك الشخص اعتُقل في مسجد آخر، حسب ما قالت لي الشرطة». أما بخصوص رفضه مقترح السلطات منحه حماية شخصية، فقد قال بلحاج: «رفضتُ الحراسة لأنني أؤمن بأن خير حارس هو الأجل، حتى إذا انتهت أيام رحلته، حار الطبيب وخانته العقاقير، كما يقول الشاعر».
محاولة اغتيال علي بلحاج تأتي بعد أشهر قليلة من مقتل ابنه عبد القهار، الذي كان منضوياً في «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، ما جعل المحللين في حينه يتطلعون إلى معرفة إلى أي مدى سيؤدي اكتواء بلحاج شخصياً بنار العنف إلى مراجعة مواقفه المتشددة.
وعند سؤاله هل قام بمراجعة لأفكاره بخصوص الموقف من العنف السياسي، قال بلحاج: «أعتقد أن هذا العنف في العالم العربي والإسلامي له أسبابه ومبرراته وجذوره. فما دامت هناك أنظمة تصادر الحريات وتمنع الناس من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية، فسيكون هناك عنف لا محالة». وأضاف: «إن الحل الوحيد لوقف العنف السياسي هو فتح باب الحريات للجميع. ثم بعد ذلك من يستخدم العنف أو يريد أن يفرض رأيه أو فكره أو رؤيته السياسية للحياة والمجتمع بالقوة، عندئذ يكون خارجاً عن نطاق الشرع والقانون، ويجب أن يتعرض للمتابعة، ولكن في إطار دولة القانون».
بالرغم من أن علي بلحاج لا يريد الاعتراف صراحة بأنه قام بمراجعة فكرية جذرية لموقفه من العنف السياسي، يعتبر حديثه عن الاحتكام إلى دولة القانون التي تكفل الحريات للجميع في إطار تعددي، تحوّلاً كبيراً في فكره، هو الذي اشتهر عام 1989 بتصريح ناري اعتبر فيه الديموقراطية كفراً.