رام الله | لا تزال تلك الصور التي نشرتها كل الصحف العبرية والمواقع الفلسطينية لبحر يافا وهو ممتلئ تماماً بالزوار الفلسطينيين في عيد الفطر راسخة في الأذهان، بعدما منحت حكومة الاحتلال آلاف التصاريح للفلسطينيين، وها هي تكرر الخطوة نفسها في عيد الأضحى المقبل. نظرة عن كثب لواقع الأمر تظهر أن الاحتلال هو المستفيد اقتصادياً وسياسياً، وليس كما يدّعي بأن الهدف التخفيف على الفلسطينيين. ويقول المحلل الاقتصادي هشام عورتاني لـ«الأخبار»، إن هذه التصاريح لها وجه آخر، فهي تؤدي إلى نزيف مالي ينتقل من الفلسطينيين إلى إسرائيل، وخصوصاً أن النية معروفة بأنها ليست تخفيفاً للحصار، بل الحصول على دخل خيالي من الفلسطينيين الذين سيدخلون إلى الأراضي المحتلة عام 1948. وأكد عورتاني أن هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير على السوق المحلي، وعلى الاقتصاد الوطني برمته، كونه سيضعف الحركة التجارية.
وتساءل «لماذا نشتري الخدمة الإسرائيلية بينما نظيرتها الفلسطينية موجودة، وقد تكون أفضل منها؟ ولماذا لا نذهب إلى أريحا على سبيل المثال باتجاه البحر، وبهذا نكون قد دعمنا السياحة المحلية، والاقتصاد الفلسطيني في آن واحد، وحرمنا الاحتلال منه».
من جهته، يعتبر عيسى رشماوي، في حديث لـ«الأخبار»، أن «الاختيار ما بين السوق الإسرائيلية والسوق المحلية لا يجب أن يكون بتلك الصعوبة لشعب عانى الأمرّين من احتلال يسبب كل مآسيه وشقائه؛ فالزعيم الهندي غاندي استطاع أن يقنع شعبه بأن ينسجوا ويزرعوا حتى يلبسوا ويأكلوا، فيما نحن لا زلنا نناقش مأساة التصاريح».
ويضيف رشماوي أن «كل شيكل واحد يفقد من دائرة السوق الفلسطينية ويذهب الى نظيرتها الإسرائيلية، هو بمثابة تبرع لإسرائيل بذلك الشيكل وما يحققه من أرباح دورية في كل ثانية، فضلاً عن العامل النفسي الذي استطاعت اسرائيل ترسيخه، وهو الإحساس بأن التصريح هو نعمة أو هدية، بينما كل ما يحتويه هو مصلحة إسرائيلية خالصة، غير قابلة للنقاش والتفكير».
الناشط فارس عاروري له رؤية أكثر حدة، ويقول لـ«الأخبار» «على ما يبدو، أن اسرائيل غيرت من استراتيجيتها تجاه التعامل مع السلطة الفلسطينية بشكل عام، وتبدو عازمة على إضعاف السلطة بشكل كبير، وسياسة منح تصاريح الزيارة والزيادة الملحوظة في تصاريح العمل، اضافة الى العودة لإصدار تصاريح السفر عبر مطار اللد، كلها اجراءات تخدم الهدف العام، وهو إضعاف مكانة السلطة الفلسطينية بصفتها السلطة المركزية في الضفة الغربية». ويضيف عاروري أن الموضوع الاقتصادي مهم من الناحية الفلسطينية «حيث إن توجه الفلسطينيين إلى الداخل المحتل عام 48، يضعف السوق الفلسطينية ويضعها أمام تحد كبير»، لكنه يرى أن على التجار الفلسطينيين الاتعاظ مما حصل في عيد الفطر واتباع سياسات تسعيرية مختلفة في عيد الأضحى، كما لا يمكن لوم الفرد الفلسطيني على رغبته في زيارة الداخل الفلسطيني، وبالتالي التسوق من هناك مثل أي رحلة سياحية أخرى داخل او خارج الوطن.
على المستوى السياسي، يضيف عاروري، يتعين على السلطة أن «تتنبه وبسرعة إلى مساعي إسرائيل لتقويض مكانتها كسلطة وحكومة مركزية، حيث إن الغالبية العظمى من هذه التصاريح تُمنح عن طريق مكاتب الارتباط الاسرائيلي بشكل مباشر، وليس عن طريق هيئة الشؤون المدنية، والتي عادة ما تشرف على هذه الأمور، فيما يقال أيضاً إن بعض هذه المكاتب (مكاتب الارتباط) قد قامت بتغيير اللافتات الموجودة على مداخلها واعادت التسمية القديمة (مكتب الادارة المدنية) بدلاً من مكتب الارتباط المدني، ليبدو الأمر أنه محاولة لإعادة ترتيب العلاقات الخاصة بالأمور المتعلقة بالتصاريح وادارة اسرائيل للمناطق المحتلة عام 67، والضفة الغربية بشكل خاص».
اضافة إلى ذلك، يقول عاروري، فإنه «بات معلوماً أن الانتخابات البلدية هي أمر مفروض على السلطة خارجياً (أميركياً بالأساس)، لذا فاذا ربطنا هذين الأمرين، وأضفنا إليهما نية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مضاعفة ميزانيتها المخصصة للبلديات والهيئات المحلية، بدءاً من العام المقبل، على حساب الميزانية المخصصة للسلطة المركزية، نستنتج أننا على شفير مرحلة جديدة، تستهدف تمكين الحكم الذاتي للمدن والقرى الفلسطينية على حساب الحكومة المركزية، ما سيضعف من موقف السلطة المركزية في مواجهة اسرائيل والضغوط الأميركية، وهو الأمر الذي يمهد فعلياً لانتهاء حل الدولتين».
وجالت «الأخبار» في سوق بيت لحم القديم والتقت عدداً من التجار الذين أكدوا أن السوق يعاني ركوداً كبيراً أولاً، بسبب عدم انتظام صرف رواتب موظفي السلطة، وقلة فرص العمل، والأحوال المعيشية غير المسبوقة، والتي تغير بشكل كبير من استراتيجية الصرف لدى الفرد.
وأكد التاجر حسام قمصية في حديث مع «الأخبار» أن قضية التصاريح تلك تمهد لخسائر كبيرة في السوق المحلية، كما وتهدد بإغلاق متاجر عديدة، فضلاً عن توقف رؤوس الأموال عن الاقدام على استثمارات جديدة في ظل هذا الوضع الاقتصادي المعقد، والسياسي المحفوف بالمخاطر من الجهة الأخرى.



أقرت حكومة سلام فياض الفلسطينية، أمس، الحد الأدنى للأجور في الأراضي الفلسطينية بواقع 1450 شيكل شهرياً (370 دولاراً)، في قرار أثار انقساماً بين القيادات النقابية، بحيث تظاهر عشرات العمال أمام مقر الحكومة ضد اقرار الحد الادنى، وهتفوا «أبناء الشعب المسحوقين مع فياض مختلفين». كما أكد نقيب اتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، رفض الاتحاد لهذا الحد الأدنى من الاجور، معتبراً ان هذا الامر «سيعزز هروب العمالة الفلسطينية للعمل في المستوطنات».
(أ ف ب)