نقاش طويل يخوض فيه عضو «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» عارف دليلة، قبل توصيفه للوضع السوري اليوم. فهو بين تسميات «الثورة» و«التمرد المسلح» و«المؤامرة»، انبرى للرد على من يرون في الوضع مؤامرة بعدما وصفها بأنها «مجرد محاولة تبرئة الذات من المسؤولية». وقال دليلة «إن كان هناك مؤامرة فعلاً كما يروَّج لها، لا يمكن المرء ألا يتساءل لماذا لم يتحسّب أصحاب فكرة المؤامرة ويعدّون العدّة مسبقاً لمواجهتها وتحصين الذات ضدها».
المؤامرة، بحسب دليلة، موجودة، لكن على صعيد الأفراد من المسؤولين الذين «يعملون لمصالحهم الشخصية ويحرصون على الاستزادة بما لا يستحقون». لذا فإن دليلة لا يرى في ما يجري مؤامرة، بل «ظاهرة موضوعية». ويلقي المسؤولية على السلطة التي «خلقت أرضية للتمهيد لإمرار كل المخططات والمؤامرات الممكنة».
دليلة رأى أن ما يجري اليوم هو «اختلاط الثورة والتمرد المسلح والمؤامرة، وهو حراك ثوري بالدرجة الأولى واستمرار لنضال الشعب السوري الذي لطالما قدم الطليعيين من النخب المعادية للفساد والمناضلة من أجل التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي».
وعن سبب عدم نجاح الحراك حتى الآن طوال هذه الأشهر، يقول دليلة: «عدم حسم الصراع في سوريا يعود إلى عمل السلطة على عسكرة الصراع». ويشدد دليلة، الذي يصر على إلحاق أشهر الحراك بسنوات نضاله مع رفاقه، على أن ما جرى «كان صراعاً سياسياً وفكرياً يرفع شعارات إصلاحية وطنية على مدى خمسة عقود وعدة أشهر من التظاهر قدمت سوريا خلالها عشرات الآلاف ممن دخلوا السجون، غالبيتهم اعتُقلوا بسبب وطنيتهم ومعاداتهم للفساد ومن دون أي جرم موصوف في القانون». ويستشهد بربيع دمشق عام 2000، الذي لو استمر حسب قوله، لكان وضع البلاد مختلفاً، إذ كان التعبير وقتذاك بطريقة سلمية وعلنية وحضارية.
وعن مؤتمر الإنقاذ الذي عقدته هيئة التنسيق أخيراً، قال دليلة: «حاولت السلطة بجميع الوسائل التدخل للتأثير على المؤتمر، ولكن هيئة التنسيق رفضت ذلك التدخل». وعن المباركة الروسية للمؤتمر، لفت دليلة إلى أن الدور الروسي اقتصر على «تيسير العراقيل التي واجهت المؤتمر».
ولا يوافق دليلة على التهمة التي تلاحق الهيئة بعدم مواكبتها للشارع، مفضّلاً الحديث عن الشروط الصعبة لعمل المعارضة في الداخل في مقابل النظام القائم منذ أربعة عقود، الذي لم يشهد أي تغيير في طبيعته وأساليبه، باستثناء تطوّره نحو الأسوأ.
كذلك يرفض دليلة الاتهامات التي توجه إلى شخصيات المعارضة الداخلية بالسعي نحو مصالحها الخاصة من غير أن تعبّر عن الشارع. ويشدد على استحالة اعتبار عشرات الآلاف، ممن قضوا حياتهم في السجون على مدى عقود، مجرد انتهازيين.
ويصف دليلة المنشقين عن الجيش السوري بأنهم شرفاء، إذ إنهم رفضوا تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين وقتلهم، معتبراً أن هؤلاء يقتصر فعلهم على الدفاع عن أنفسهم وعن المتظاهرين السلميين دون اشتراكهم في أي أعمال تدمير وقتل وخطف، كالتي شاعت ممارستها من قبل جماعات متفرقة، بينها عناصر أجنبية مرتزقة وإرهابية، ظهرت في مراحل لاحقة.
أما السلطة، برأيه، فهي تتذرّع دائماً بوجود هؤلاء المسلحين من «أجل استخدام كل ما اختزنه الجيش السوري على مدى عقود، من أسلحة وذخيرة بهدف الدفاع عن الوطن وتحرير الأرض المحتلة، ضد من يطالب بتغيير السلطة».
ويتساءل دليلة «من الذي دوّل المسألة السورية؟»، قبل أن يجيب: «السلطة هي التي ألقت المسؤولية عن نفسها وسحبت القضية من أيدي أصحابها الحقيقيين، أبناء الشعب السوري. حتى أصرّت بعد بدء الأحداث على تحويل القضية إلى الجامعة العربية، ثم إلى الأمم المتحدة، بهدف كسب الوقت أملاً بتحقيق النصر الموعود بالوسائل العسكرية».
وبابتسامته التي لم تطفئها سنوات الاعتقال الطويلة، يهزأ دليلة من القول إن النظام يدعو إلى الحوار بينما المعارضة ترفض. ويضيف «كيف يمكن المرء الجلوس على طاولة الحوار بينما هو ممنوع من الكلام، ولا سيما أن الوضع اليوم أسوأ على صعيد الحريات؟». ووفقاً لدليلة، لا يمكن اعتبار عقد مؤتمر الإنقاذ في دمشق مثالاً على حسن نية النظام في ما يخص الحريات، بدليل «اعتقال قياديين في هيئة التنسيق قبل يومين من انعقاد المؤتمر، وهم الدكتور عبد العزيز الخير وإياس عياش وماهر طحان الذين لا يزالون مغيّبين حتى الآن». ولا يصدّق دليلة نفي النظام رسمياً اعتقال أعضاء الهيئة، فيقول: «كثيراً ما نفى النظام الاعتقالات وثبت كذبه لاحقاً». ويضيف «حتى لو لم يكن هو من اعتقلهم، ونحن متأكدون من أنه الفاعل، فهو مسؤول عن كل مواطن في البلاد، ما دام يحتكر السلطة دون السماح لأحد بالمشاركة في أي قرار».
وعن التعديل الأخير للدستور، يسخر دليلة من إلغاء المادة الثامنة من الدستور، إذ جرى استبدالها بـ«إطلاق يد أي مسؤول فرد في السلطة». وانتقد قانون مكافحة الإرهاب، معتبراً أنه «البديل الأسوأ لقانون الطوارئ».
وعن رأيه في المجلس الوطني السوري المعارض، يرى دليلة أن «جميع التشكيلات الحالية، سياسية كانت أو عسكرية، هي تشكيلات طارئة ومؤقتة، وهي وليدة نشأتها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ولن تبقى على ما هي عليه في المستقبل». ولذلك يتمسك دليلة دائماً بالدعوة إلى «تمكين جميع السوريين من ممارسة نشاطاتهم وعقد اجتماعاتهم الخاصة بالشأن السوري داخل الأراضي السورية، بعد توفير الضمانات لحرية العمل والرأي والإعلام». كذلك يؤكد دليلة أن الشعب السوري يتحمّل مسؤولية اختيار من يمثّله فعلاً ويحمل تطلّعاته.
أما بخصوص ما تردد في الإعلام عن ورود اسم دليلة بين الأعضاء المختارين لـ«لجنة الحكماء» التي يعمل برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني، على تأسيسها، فإن دليلة يؤكد أن ذلك تم دون الحصول على موافقة مسبقة منه. ويضيف «الوقائع على الأرض تجاوزت الحديث عن لجنة الحكماء، التي كنتُ أول من تحدّثت عنها. ويتابع «الآن أصبح صوت الرصاص هو الطاغي، والحرب الطاحنة لا تترك حجراً أو إنساناً آمناً على حياته في سوريا».
المطلب الملحّ اليوم، برأي دليلة، هو «البدء جدياً، وللأسف بمشاركة دولية، في الانتقال إلى تطبيق مقررات مؤتمر جنيف بتأليف حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، من أجل وقف القتال وإطلاق سراح المعتقلين ومباشرة عمليات الإغاثة، وإعادة مهجّري الداخل والخارج وإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة لبناء النظام الجديد».



الوضع الاقتصادي الصعب لم يمنع دليلة من التأكيد «على إمكانيات السوريين وقدراتهم لإعادة إعمار البلاد، فيما لو تم التوصل إلى وقف إطلاق النار وتطبيق بنود الأمم المتحدة، والبدء فوراً بعملية البناء والإعمار من خلال نظام يليق بدولة قانون عصرية تعددية ديموقراطية».