غزّة | شهد قطاع غزة خلال الساعات الماضية تصعيداً عسكرياً بدأته قوات الاحتلال عندما شنت غارات جوية على منطقة رفح جنوب القطاع وأسقطت شهيداً وأكثر من 15 إصابة، أمس، وهو ما استدعى ردّاً من فصائل المقاومة، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بحيث أطلقت عشرات القذائف والصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة من دون أن توقع إصابات. وهي المرة الأولى منذ ثلاثة أشهر التي تردّ فيها الذراع العسكرية لحركة «حماس» على الاعتداءات الإسرائيلية وتشارك في قصف مواقع إسرائيلية، حيث كانت المرة الأخيرة التي قصفت فيها المناطق المحتلة في شهر حزيران، بينما عادة ما تُطلق سرايا القدس الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، بما أنها غير ملتزمة التهدئة مع دولة الاحتلال. لكن في الآونة الأخيرة كانت الجماعات السلفية هي الجهة التي تُطلق الصواريخ والقذائف. وهذه الجماعات تتحرك من دون تنسيق مع حركة «حماس» الحاكمة في القطاع، بما أن الأخيرة لا تعترف بها ولا تسمح لها بالمشاركة في اجتماعات الفصائل، بل تتعقبها وتعتقل كوادرها.
ونتيجةً للعدوان الإسرائيلي، استُشهد المواطن عبد الله حسن مكاوي (25عاماً) متأثراً بإصابته في غارة إسرائيلية استهدفت الدراجة النارية التي كان يقودها، أول من أمس، في حيّ البرازيل بمدينة رفح جنوب القطاع. وقالت مصادر طبية إن مكاوي كان يعاني جراحاً خطرة، ونُقل إلى العناية المركزة، لكنه فارق الحياة عصر أمس. وأضافت أن الشاب الذي كان برفقة مكاوي على الدراجة النارية يعاني أيضاً جروحاً خطرة وحالته حرجة.
وكانت إسرائيل قد أعلنت أنها استهدفت عنصرين من تنظيم الجهاد العالمي أثناء قيادتهما دراجة نارية في مدينة رفح، مشيرة إلى أن «المستهدفين متورطون بإطلاق صواريخ على جنوب إسرائيل».
كذلك أكّدت مصادر طبية فلسطينية إصابة 10 فلسطينيين، بينهم ثلاثة أطفال، في غارة إسرائيلية عصر أول من أمس في مدينة رفح، هذا إضافة الى سقوط خمس إصابات صباح أمس، في قصف مدفعي بمدينة خان يونس، فيما اضطر القصف الاسرائيلي وزارة التربية والتعليم في غزة الى إخلاء 5 مدارس شرق خان يونس لوقوعها في دائرة المناطق المستهدفة.
ولما كانت قوات الاحتلال هي التي بادرت الى خرق التهدئة والاعتداء على القطاع، ردّت فصائل المقاومة بإطلاق عشرات الصواريخ، بحيث أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن «نحو 55 قذيفة صاروخية ومدفعية أُطلقت من غزة باتجاه أراضي إسرائيلية»، مضيفة أن «القذائف سقطت في أراضٍ خالية، مسببة بعض الأضرار في أحد المباني»، فيما أعلن جيش الاحتلال أن الفصائل الفلسطينية أطلقت خلال العام الجاري أكثر من 470 صاروخاً على الأراضي الإسرائيلية.
وأعلنت كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس مسؤوليتيهما عن إطلاق عدد من القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل. وقالتا في بيان مشترك ان قصفهما لتجمعات إسرائيلية قرب قطاع غزة بعشرات الصواريخ جاء «رداً على جرائم العدو المتكررة والمتواصلة بحق أبناء شعبنا العزل، التي كان آخرها مساء الأحد عندما استهدفت طائرة استطلاع إسرائيلية دراجة نارية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ما أدى إلى إصابة عدد من الأطفال والمدنيين».
وأكد المتحدث باسم سرايا القدس، أبو أحمد، في حديث لـ«الأخبار» أن «العدو الصهيوني لن ينعم بيوم هادئ اذا ما استمر في عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة». وأضاف أن سرايا القدس تعمل ضمن تنسيق على أعلى مستوى مع كتائب عز الدين القسام، وأُنشئت غرفة عمليات مشتركة بينهما لدراسة كيفية الردّ على أي هجمة إسرائيلية.
وقال أبو أحمد إن الفصيلين (السرايا والكتائب) اتفقا على أن الرد على أي عدوان إسرائيلي يكون مباشرة، مؤكداً أن لدى الفصائل الفلسطينية ما يكفيها لإيجاع العدو وصدّه.
وعن الهدنة بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة، التي ترعاها مصر، قال أبو أحمد إن «الحديث لا يزال مبكراً عن التنصل منها أو التزامها»، مضيفاً أنهم «لم يتلقوا أي اتصال من الجانب المصري بشأن التصعيد الأخير».
وتحافظ حركة «حماس»، التي تحكم قطاع غزة على هدنة هشة مع إسرائيل منذ انتهاء الحرب على غزة عام 2009، إلا أنّ القطاع يشهد تصعيداً متقطعاً يتبادل فيه الجانبان القصف.
من جهته، حمّل المتحدث باسم «حماس»، فوزي برهوم، في بيان، «حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الخطير ونحيي المقاومة الفلسطينية التي رفضت بكل قوة أي معادلة صهيونية تفرض على شعبنا». ورأى أن هذا «التصعيد الإسرائيلي على غزة خطير وغير مبرر وتجرّؤ على الدم الفلسطيني وإمعان في الجريمة».
ورغم أنّ التصعيد العسكري مصدر قلق، فإن الغزّي اعتاد مثل هذه الأوضاع الأمنية المتوترة، لكنه يبقى مرتاباً من تأثير ذلك على وضعه المعيشي الصعب من الأصل، ولا سيما بعد إغلاق الحكومة المصرية الأنفاق التي تُعَدّ شريان الحياة الأساسي للقطاع المحاصر منذ أن تولت «حماس» الحكم في القطاع عام 2007.
هذه الحالة عبرت عنها علا سلامة، وهي موظفة في مؤسسة غير حكومية، بالقول لـ«الأخبار» إن «مثل هذه الأحداث لم تعد مصدر قلق لكثير من الناس، نظراً إلى كثرتها واعتيادهم إياها»، إلا أنها تؤكد أن ما يشغل بال الغزيين كثيراً، أوضاعهم المعيشية «وخصوصاً في ظل الحصار المطبق من قبل اسرائيل وتدمير مئات الأنفاق من قبل الحكومة المصرية». وتضيف علا أنه «بعد تدمير الأنفاق أصبحنا تحت رحمة إسرائيل، فهي تتحكم بالمعبر التجاري الوحيد، والتصعيد يؤدي إلى إغلاق هذا المعبر، ما يفاقم الأوضاع المعيشية الاقتصادية والمعيشية الصعبة لسكان القطاع».