طرابلس | عرض رئيس الوزراء الليبي المُنتخب، مصطفى أبو شاقور، أول من أمس، تشكيلته الحكومية التي خلت من التيار الليبرالي، مشدداً، مع ذلك، على أنها حكومة وفاق وطني. الحكومة التي غلب عليها التيار الإسلامي بمختلف أحزابه في ليبيا، أُعطيت فيها للمرأة حقيبة واحدة، ولمسؤولين سابقين عدة حقائب بمن فيهم من لم يبرئهم القضاء من تهم جنائية منسوبة اليهم. حكومة «البوفيه المفتوح»، كما يصر الليبيون على تسميتها، احتوت على 27 حقيبة وزارية بالإضافة إلى 3 نواب لرئيس الوزراء، فيما أُنيطت وزارة الصحة بنائب رئيس تحالف القوى الوطنية المستقيل، فيصل الكريشيني. واحتفظ رئيس الحكومة لنفسه بحقيبة الخارجية، ما يثير عدة تساؤلات حول قدرته على العمل بهذه الشكل.
فور الإعلان عن القائمة، انسحب عدة نواب احتجاجاً على عدم تمثيل مناطقهم في الحكومة ولحقتهم كتلة التحالف الوطني، احتجاجاً على إقصائها، لتُرفع جلسة البرلمان في حضور ما يقارب 12 عضواً فقط من أصل الـ200 ويعلن عن يوم أمس موعداً لمنح الثقة للوزراء.
ولأن من ليبيا يأتي الجديد، تم اعتماد طريقة التصويت على الحكومة وزيراً وزيراً ليضرب الليبيون موعداً آخر، وليصبح أبو شاقور في مأزق صعب، حيث من المُتوقع أن يتم التصويت على إقصاء 15وزيراً على الأقل في أفضل الأحوال. غير أن جموع المحتجين سبقت النواب أمس واقتحمت قاعة البرلمان لتُعبّر عن غضبها مطالبة بإسقاط رئيس الوزراء، لا التشكيلة الوزارية فقط، وبذلك فُضّت الجلسة ولم يُحدد موعد آخر لعقدها. ولأن المؤكد الوحيد في ليبيا هو اختلاف الجميع وعدم رضاهم، أعلن حزب العدالة والبناء، ذو الغالبية الإخوانية، عدم رضاه على هذه التشكيلة وبرر رؤيته بأن التشكيلة الوزارية بشكلها الحالي تفتقد عامل التوافق الوطني، كما أنها ليست حكومة كفاءات في غالبها. وتشير التقارير إلى ان تكتل المستقلين لن يمنح الثقة لهذه الحكومة بهذا شكل.
فالحكومة التي لم يُفهم السبب الأساسي في إخراجها بهذا الشكل، اتفق معظم المتابعين للشأن الليبي على عدم قدرتها على مواجهة الأزمة، متصورين بأنها لن تنال ثقة المؤتمر الوطني العام (البرلمان).
في هذا الاطار، أوضح الكاتب الصحافي، إسماعيل القريتلي، لـ«الأخبار» أن أبو شاقور لم ينجح في تشكيل حكومة وفاق وطني، بدلالة عدم وجود أي وزير من تحالف القوى الوطنية، فيما مثّل حزب «العدالة والبناء» النائب الأول، وزير المالية عمر الناكوع، مشيراً الى أن المعلومات تؤكد أن أبو شاقور لم يأخذ أياً من ترشيحات كتلة المستقلين التي دعمته.
واضاف القريتلي أن «أبو شاقور تجاوز المحاصصة ليشكل فريقه على أساس المجاملة والعلاقات، وخصوصاً ما ظهر من حضور كبير لحزب الجبهة الوطنية في التشكيلة بستة وزراء بينهم هو نفسه». وأشار الى أن «المؤتمر قرر التصويت على الوزراء بشكل انفرادي لمنح أبو شاقور دائماً فرصة الاستبدال وكان الأجدى التصويت على التشكيلة باعتبارها فريق عمل واحداً ينطلق من رؤية واحدة». بدوره، أوضح الكاتب سمير السعدواي، لـ«الأخبار» أنه «في كل الحراك السياسي منذ سقوط نظام (معمر) القذافي، هناك كلمة سر مفقودة هي الوفاق الوطني، الذي يعني البحث عن قواسم مشتركة وأسس للعيش المشترك بين الليبيين، وهذه مهمة لا يمكن ان تطّلع بها حكومة الا اذا كانت سياسية بامتياز وتوافقية بامتياز». ورأى السعداوي أن ما قام به رئيس الحكومة لا يعدو كونه محاولة لملء الشواغر والمناصب، ما يحدث شللاً في الأداء على صعيد الملفات الكبيرة، وفي مقدمها الامن ومكافحة الفساد وتطهير القضاء. وأضاف أن هذا الشلل مشكلة عانت منها حكومة عبد الرحيم الكيب، التي كان يتولى فيها أبو شاقور منصب نائب الرئيس، وأن التخبط في الأداء لا يتحمل أبو شاقور وحده مسؤوليته، بل يعكس فشل طبقة سياسية بمجملها عجزت عن التعبير عن نبض الشارع الذي يتطلع الى بناء دولة القانون والمؤسسات.
أما أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنغازي، أم العز الفارسي، فتحدثت مع «الأخبار» أن أبو شاقور «أخلّ بتعهداته بمبررات غير منطقية عن إشراك تحالف في الحكومة، وأنه استعان بعدد كبير من الحكومة السابقة ما بين وزراء ووكلاء، مما يعني انه يعيد انتاج حكومة الكيب التي يشاركه ادارتها». وأبدت استغرابها لاحتفاظ أبو شاقور بالجنسية الأميركية اثناء عرضه لحكومته وتسلمه وزارة الخارجية. غير أن رئيس الحكومة أبدى، من جهته، جهوزيته التامة لتقديم التشكيل الوزاري الاحتياطي وترقيع الحكومة ورأب الصدع، في حال عدم نيل هذه التشكيلة للثقة. فهو ما زال واثقاً من أن الوقت في صالحه رغم تزايد الضغوطات عليه وقرب نفاد الوقت المُخصص له وتزايد المطالب بإقالته من داخل أروقة البرلمان.