دمشق | رغم المآسي التي تعصف ببلادهم، بقي السوريون على عهدهم مع الطرفة. فحياتهم تحوّلت فجأة إلى كوميديا سوداء تتصدر عناوين نشرات الأخبار، بعدما مضت برتابة طوال أربعين عاماً في بلد مضبوط أمنياً بشكل واضح، محققاً أعلى المراتب بين الدول الأكثر أماناً في العالم. وإذا كانت المآسي تولّد حسّ الفكاهة لدى الشعوب، فإن السوريين اليوم استقوا من مصائب عصفت ببلادهم نكات تنمّ عن ذكاء خاص، فما إن بدأت الأزمة حتى ظهرت صفحات معارضة وموالية ومحايدة عبر العالم الافتراضي للتعليق على ما يجري في البلاد من أحداث بأسلوب فكاهي يهدف للترويح عن الشعب المنكوب ويعبر عما يجول في خاطره من انتقادات.
وكما كان للحماصنة حصّة الأسد من الدم السوري المسفوك، بقيت حصتهم محفوظة من حجم التندر الذي تناقلته الألسن وساد صفحات التواصل الاجتماعي حتى في أشد اللحظات عنفاً ومأساويةً، فبعد ما سُمّي «معركة دمشق» منذ شهرين راجت نكتة «الحمصي الذي نزح إلى دمشق هرباً من رصاص مدينته ولكنه سرعان ما قرّر العودة على مبدأ يقول: القصف اللي بتعرفو أحسن من القصف اللي بتتعرف عليه». الابتسامات تعلو الوجوه حين يتناقل الحماصنة نكتة على لسان اثنين منهم، أحدهم يقول للآخر: «انظر كيف دخلت حمص التاريخ ببطولات الثوار»، فيرد الآخر: «نعم. ولكنها خرجت من الجغرافيا».
صفحات فايسبوكية عديدة، مثل «نكت الجاهلية»، و«مندس يحكي وعاقل يسمع»، و«لا تشلشنا مشلوشين»، سخر بعضها من مؤتمر إنقاذ سوريا الذي عقدته معارضة الداخل منذ أيام بحضور السفير الروسي، عندما كتبت إحدى الصفحات: «بحكم أنو ما حدا أحسن من حدا... أعلن أنو بشهر آب 2012 رح أعمل مؤتمر إنقاذ شلشاني... خبّرو وسائل الإعلام وسفير توغو.. وشرفونا ع السبينة (منطقة ساخنة)... مكان انعقاد المؤتمر».
نكات أصبحت الخبز اليومي لحياة السوريين تتناول كل شيء بدءاً بالانشقاقات في الجيش والدولة، مروراً بهموم الحياة اليومية، وصولاً إلى تصريحات المسؤولين الرسميين. حيث جاء رد بعض الشباب المعارضين على تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء قدري جميل حول أسباب مشكلة البطالة وإمكانية إيجاد حلول لها، بأن «نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ورئيس مجلس إدارة هيئة الاستثمار السورية ورئيس حزب الإرادة الشعبية وعضو قوى الائتلاف للتغيير السلمي قدري جميل... وألا زلتَ تبحث عن أسباب البطالة في سوريا؟». بدوره، لم يسلم الرئيس السابق للمجلس الوطني المعارض برهان غليون من السخرية، حين صرّح أثناء وجود المراقبين الدوليين في سوريا، بأن الجيش السوري يخفي دباباته في مداخل الأبنية. فألحق عدد من السوريين صفة «ملطّف جو» باسمه. أما الجيش الحر، فقد احتل انسحابه التكتيكي من بعض المناطق التي أعلنها سابقاً مناطق محررة، فنشر البعض صوراً لديك مغرور بكامل ريشه وقد كُتب عليها: «قبل مواجهة الجيش السوري»، فيما تبدو صورة أُخرى للديك بلا ريش وقد كُتِب في أسفلها: «انسحاب تكتيكي».
ظاهرة السخرية خلال الأحداث السورية ليست إلا نوعاً من التنفيس الانفعالي الناتج من الإحساس بالعجز والانزعاج منه، حسب تحليل الدكتورة ليلى الشريف، اختصاصية في الصحة النفسية ومدرّسة في جامعة دمشق، التي تعتبر أن لهذه الظاهرة علاقة بعدم تمكّن الناس من التكلّم عن الأمور بصراحة، وهذا ما تكفله لهم النكتة من خلال التعبير بشكل عميق وموارب في آن واحد.
«الشعب السوري قرر إخلاء البلاد حفاظاً على سلامة الجيشين». وأفراد هذا الشعب «لا يستطيعون النوم إن سكت صوت الرصاص في ليلة ما». كما بات «الحمصي يُسأل عن عنوان منزل أحد أبناء حيّه، فيجيب: بعد تالت دبابة عاليمين». هذه لغة كلام السوريين، اليوم. وعلى مبدأ «شر البلية ما يُضحِك» يتابعون حياتهم، ساخرين من فجائع بلادهم.