تونس | وقّع رئيس جامعة الزيتونة، الدكتور عبد الجليل بن سالم، قبل أيام اتفاقية تعاون بين الجامعة الأعرق في العالم العربي والإسلامي والجامعة الإسلامية بإسلام آباد في باكستان، وقد وقّع قبل ذلك بروتوكول تعاون بين جامعة الزيتونة وجامعة جدة في المملكة العربية السعودية. الاتفاقية مع جامعة جدة أثارت مخاوف الجامعيين بسبب ما يمكن أن يترتب عنها من تأثير وهابي على مناهج التدريس وبرامجه في الجامعة، التي عُرفت تاريخياً بعداء أساتذتها، وقبل ذلك شيوخها، للخط الوهابي المتشدد وانتصارهم للمذهب المالكي السائد في المغرب العربي.كذلك عُرفت الجامعة تاريخياً بدورها الكبير في التحديث والإصلاح من خلال شيوخها وطلابها الذين قادوا حركة التحديث، مثل محمد الطاهر بن عاشور ومحمد الفاضل بن عاشور وسالم بوحاجب وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي والخضر حسين وعشرات الأساتذة، الذين كان لهم دور محوري، سواء في مرحلة التحرر الوطني أو في بناء دولة الاستقلال.
كذلك خاضت الجامعة معركة فكرية في الرد على الوهابية في القرن التاسع عشر، وهي معركة شهيرة في تاريخ تونس الثقافي، إلا أن التقارب الكبير اليوم مع جامعات ومؤسسات تعليمية مرجعها الفكر الوهابي يثير الكثير من المخاوف من أن تتخلى الجامعة عن الخط الفكري الذي عرفت به تاريخياً.
ورغم تطمينات رئيس الجامعة، الدكتور بن سالم، إلا أنه لم ينجح في إقناع الوسط الثقافي والأكاديمي بجدوى هذه الاتفاقيات التي ستعمّق نزعة التشدد الموجودة في الجامعة بين بعض الأساتذة وبعض الطلبة الذين رفضوا قبل أسابيع حضور الدكتور يوسف الصديق المعروف بقراءته المستنيرة للإسلام. هذه الاتفاقيات تتزامن مع عودة التعليم التقليدي في جامع الزيتونة، رغم رفض وزارة التربية الاعتراف به، كما عرفت السنة المدرسية الجديدة افتتاح عشرات «المدارس القرآنية» و«رياض الأطفال الإسلامية» التي لا تملك وزارة التربية ولا وزارة المرأة والأسرة أي سلطة عليها، ما سيجعلها غير خاضعة لأي رقابة في برامجها. وكان عدد من المربين والأولياء قد أطلقوا صيحة خوف حول «التربية الجديدة» التي يتلقّاها الأطفال في رياض الأطفال، وبينها تمجيد الإرهاب باسم نصرة الإسلام وإجبار بنات لم يتجاوزن مرحلة الطفولة على ارتداء الحجاب، وهو ما يتناقض مع حقوق الطفل. هذه «المناهج التربوية» الجديدة التي انتشرت في تونس تأتي في سياق تغيير نمط المجتمع، فالشعب التونسي الذي تعلم في مدارس صاغ مناهجها الأساسية الزعيم الحبيب بورقيبة، لا يمكن أن يقبل العودة إلى الوراء أو يستجيب لدعوات السلفيين. لذلك، كان لا بد من تغيير المجتمع من خلال التعليم بمستوياته الثلاثة ومن خلال مظلة «العمل الخيري» لـ«أسلمة» المجتمع وتجد هذه الجمعيات تسهيلات في التمويل من دول خليجية تعمل على فرض نمط جديد من الحياة على مجتمعات المغرب العربي، وخاصة تونس. وأمام هذا «الزحف» الذي يستهدف المجتمع التونسي ومقوماته، دعت عدة أحزاب ومنظمات إلى فتح حوار وطني حول التعليم في تونس، في الوقت الذي عاد فيه الجدل مجدداً حول النقاب في الجامعة مع بداية السنة الجامعية.