طرابلس | على مدى 42 عاماً حكم خلالها العقيد معمر القذافي ليبيا، عانى الليبيون كغيرهم من جيرانهم العرب، من قانون فرض حال الطوارئ، والذي قلّص من دور السلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد، ما أجبرهم على العيش تحت رحمة الأحكام العرفية التي لم يسلم من «غباوتها» أحد. ومع انتصار انتفاضة 17 فبراير ورحيل نظام العقيد القذافي، استأنف المجلس الوطني الانتقالي الليبي فرض قانون «الإجراءات الخاصة» في أيار الماضي، والشبيه بقانون الطوارئ، والذي لم يتمكن من تطبيقه بسبب ضعف المؤسسات الأمنية.
إلا أن هذا القانون أعطى حصانة لقادة حركة «17 فبراير» وثوارها جراء تصرفات عسكرية أو أمنية أو مدنية قاموا بها بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها كما جاء في نصه.
واليوم بعد تسليم السلطة لأول فئة مُنتخبة حاكمة في ليبيا، يسعى ساسة المرحلة لسن قانون طوارئ جديد، في الوقت الذي لم تُشرّع فيه العديد من القوانين التي تكفل الحريات العامة، وفي ظل غياب قانون حماية للإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني، الذين كثُرت الانتهاكات بحقهم. وفيما تنص التشريعات الجنائية في البلاد على حرمة الأشخاص والبيوت والممتلكات، وتتشدد في هذه الضوابط، تم طرح مشروع قانون طوارئ «مجهول النسب» في البرلمان، لم يُعرف حتى الساعة أي جهة تبنته، ولم تحدد الجهة الامنية الموكلة بتطبيقه، فيما يحاول الجيش الليبي الحد من سيطرة المجموعات المُسلحة في العاصمة والمدن الكبرى.
ويقضي المشروع وبشكل واضح بامتهان الحرية الشخصية عبر السماح بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها ووسائل الاتصالات ووسائل الإعلام المختلفة وإيقافها، بالإضافة إلى تفتيش الأشخاص والأماكن والمساكن ووسائل النقل، بغية القبض على المشتبه فيهم. اضافة الى ذلك، ينص المشروع على تحديد إقامة بعض الأشخاص وعزل مناطق بأكملها اذا اقتضى الأمر، بل حتى وضع قيود على الحوالات المالية ومنع استيراد سلع معينة بناءً على مقتضيات المصلحة العامة، والحاجة إلى معالجة التهديدات والتحديات الأمنية التي تمر بها ليبيا في المرحلة الانتقالية من الثورة إلى الدولة، على حد تعبير مصادر مسؤولة.
لكن عضو المؤتمر الوطني (البرلمان)، هدى البناني، رأت خلال حديثها لـ«الأخبار»، أن «القانون بوضعه الحالي غير مُريح، وفي حال لم تكن الجهة المخولة بتطبيقه (مجلس الوزراء) حيادية، فقد تحدث انتهاكات لحقوق الانسان».
ولأن المُخطط لهذا القانون نسي أو تناسى الوضع الجديد في ليبيا ووعي الشارع بحقوقه جيداً وتعلمه درس السكوت الذي دفع ثمنه أربعة عقود، فقد كان التأجيل هو مصير مسودة المشروع أياماً عديدة، بغية التوصل الى مسودة قانون أخرى تتضمن تعبيرات أقل إرهاباً للشارع، في ظل رفض أبرز شرائح المجتمع لهذا القانون، ورفض العديد منهم حتى مناقشته.
لكن رئيس لجنة الشؤون القانونية في المؤتمر الوطني، عمر أبوليفة، أكد لـ«الأخبار»، أن «لا صحة لنية المؤتمر إعلان حال الطوارئ في البلاد، وإنما ما يحدث اليوم هو العمل على إصدار تشريع استباقي وقانون طوارئ احتياطي، أي أن بعد الانتهاء من إعداد مسودة للقانون ستُطرح على أعضاء المؤتمر لاعتمادها فقط، لا إقرارها، تحسباً لأي ظرف طارئ يحدث. وحتى لا يتم التعجل في وضع قانون قد تشوبه أي شائبة رأى المؤتمر أن يتم تشريعه مسبقاً».
وقال أبو ليفة، إن إعلان حال الطوارئ يستوجب تصويت 120 نائباً من أصل مئتين. وأضاف «أن هذا التشريع هو تصحيح للقانون الذي أُقرّ من قبل المجلس الانتقالي، وأن العمل به لو استدعت الظروف سيكون مؤقتاً. أي أنه تشريع استباقي لأي طارئ».
ونفى المسؤول البرلماني نية المؤتمر «وضع المكالمات والرسائل تحت المراقبة»، موضحاً أن الحرية التي دُفع ثمنها باهظاً لن تُسلَب مجدداً إلا على جثثنا»، موضحاًَ أن لا جهة معينة تبنت هذا المشروع.
أما أستاذة العلوم السياسية في جامعة بنغازي، أم العز الفارسي، فقد رأت من ناحيتها، أن «من الأفضل للبرلمان الليبي بدلاً من ترهيب الناس العمل على انجاز الاستحقاقات الدستورية للمرحلة الانتقالية». وأوضحت، خلال حديثها لـ«الأخبار»، بأنها تشعر بالخجل بدلاً منهم لمجرد تفكيرهم في مثل هذه المواقف، التي لم تشأ حتى تسميتها قوانين.
بدوره، الكاتب الليبي حكيم المصراتي، سخر من هذه الأفكار، موضحاً أنها السبب الأساسي لانبثاق ما يُعرف بالربيع العربي. وأوضح أن «شرعنة هذا القانون المُرعب في دول عربية عديدة، منها مصر وسوريا والعراق، أدت إلى تغوّل الجهات الأمنية فيها». ورأى أن كل الانتهاكات التي تعرضت لها الشعوب العربية كانت دائماً تحدث تحت غطاء «مقتضيات المصلحة العامة» والذي وصفه بالقذر.
وأضاف المصراتي أنه لا يلقي باللوم على نواب ليبيا «فغالبيتهم لم تبلغ سن الرشد السياسي»، إنما يلوم «المثقفين والناشطين الليبيين، الذين هللوا لطرح هذا القانون لذات الحجة السقيمة، بالرغم من أنهم سيكونون أول ضحاياه».
من جهته، اعتبر الكاتب الليبي، سمير السعداوي، أن قانون الطوارئ مرفوض رفضاً قاطعاً لدى الليبيين «الذين يعتقدون أن فرضه أمر مُستنكر ومُدان بعد ثورة دفع آلاف الشهداء أرواحهم ثمناً لها». ورأى أن هذا القانون هو بحد ذاته استمرار لممارسات الطغيان التعسفية وهو يشكل أولاً، إدانة لهذه الطبقة السياسية، التي تُعبّر من خلاله عن عدم ثقتها بنفسها، ثم بالشعب.
وحذّر السعداوي، خلال حديثه مع «الأخبار»، من ثورة ثانية لتصحيح مسار الثورة الأولى، إذا استمرت الامور على هذا المنوال».
وفي السياق نفسه، قال الكاتب الصحافي، الصادق دهان، إن «البلاد في أجزاء كبيرة منها تتعرض لزلزال أمني، قطعاً سيستشري سريعاً في البلاد ولا يمكن تحديد مداه. كما أن الدولة حكومة وبرلماناً أضعف من أن تسيطر على بلاء الفتنة وأسباب الخطر المحدق. ولا نستبعد أن تكون سبباً في وقوع حرب أهلية».



تسليم أسلحة


سلم مئات الليبيين أول من أمس، أسلحتهم التي بقيت لديهم منذ انتفاضة شباط العام الماضي، في اطار حملة تسعى فيها ليبيا إلى التخلص من السلاح في شوارعها والتصدي للجماعات المسلحة «المارقة». ومع مرور الوقت اليوم، تحول جمع بسيط من الناس إلى طوابير طويلة في طرابلس العاصمة، وفي مدينة بنغازي في الشرق، حيث نصبت خيام في ساحات رئيسية لمسؤولين عسكريين يجمعون أسلحة ومتفجرات وحتى راجمات القنابل الصاروخية. ووسط اجواء احتفالية كان نساء وأطفال يشاهدون بينما كانت تُعزف موسيقى عسكرية وتُبث الأغاني. وكانت احتجاجات شعبية قد خرجت الى الشوارع في بنغازي الاسبوع الماضي، لزيادة الضغط على السلطات كي تتصدى لمشكلة غياب الأمن بعد هجوم شهدته المدينة على القنصلية الأميركية في 11 أيلول أسفر عن مقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين آخرين.
وخطط منظمو الحملة في المدينتين لتنظيم سحب على جوائز من بينها سيارات في ختام عملية التجميع. وقال المنظمون ان هذا الحدث سيتكرر في مدن أخرى. من جهته، أعلن رئيس أركان الجيش الليبي يوسف المنقوش، أن الشعب الليبي يريد الاستقرار وهم يسلمون الأسلحة للجيش، حتى يتم الاحتفاظ بها في المكان السليم وليس في الشوارع.
(رويترز)