غزّة | يدرس أبو حسن، هو مالك إحدى شركات استيراد السيارات في غزّة، إمكانية تقليص عمله وتسريح بعض موظفي الشركة، وذلك بعد قرار حكومة «حماس» المقالة فرض ضريبة تبلغ 25 المئة من قيمة كل سيارة مستوردة. مصدر مشكلة أبو حسن ليست ضرائب حكومة «حماس»، وانما في إلزامه تأدية ضريبة مماثلة ولكن مضاعفة لحكومة رام الله على السيارات التي يستوردها عبر الموانئ الإسرائيلية، وتدخل القطاع من معبر كرم أبو سالم. وهكذا يصبح عليه أن يؤدي الضريبة نفسها مرتين، وبذلك يكون المستورد قد دفع 75 في المئة من قيمة السيارة ضريبة جمركية.
قرار حكومة «حماس» اتُخذ عام 2008، إلا أنّّها قامت بتجميده بعد مطالب من تجار السيارات، قبل أن تُعيد العمل به ابتداءً من شهر تموز الماضي. كذلك قررت إجراءات ضدّ مستوردي السيارات، الذين لم يدفعوا الضرائب منذ بدء تفعيل القرار، ومن ضمنها إغلاق شركاتهم وسحب رخصة مزاولة المهنة الممنوحة لهم من قبل الحكومة، وشركة أبو حسن من بين تلك الشركات. ويقول أبو حسن إنه تمكن من إعادة فتح شركته بعد التوصل الى اتفاق مع وزارة المواصلات بحكومة غزة، يقضي بأن يقوم المشترون بدفع الضريبة، بعد أن يضيفها الى سعر السيارة. إجراء يجنبه دفع الضريبة الجديدة، لكنّه سيقلّل من عملية بيع السيارات الألمانية في غزة، بحيث سيبلغ سعر أرخص سيارة 42 ألف دولار أميركي. ويشير التاجر الغزّي الى أنه سيضطر بهذه الحال الى خفض نسبة استيراده للسيارات، بسبب انخفاض الطلب، وخصوصاً في ظل منافسة قوية مع السيارات الكورية الرخيصة التي تدخل القطاع عن طريق الأنفاق، ولا تدفع سوى 25 في المئة من قيمتها لحكومة «حماس». وتفرض حكومة «حماس» ضرائب عديدة في قطاع غزّة، منها ضريبتا القيمة المضافة والدخل، وضرائب الجمارك والمهن وضرائب على الأملاك والعقارات والبضائع المستوردة من دولة الاحتلال، والمدفوعة الضريبة أصلاً للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى السلع المهرّبة عبر الأنفاق. كما تفرض ضرائب على المشاريع الصغيرة والمحال التجارية والباعة المتجولين.
وهذا الوضع يثقل كاهل المواطن الغزّي، الذي يعاني نسباً عالية من الفقر والبطالة، منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع بعد سيطرة حركة «حماس» عليه عام 2007. ويقول المحلل الاقتصادي من غزّة، محسن أبو رمضان، إن «الضريبة هي حق من حقوق أي حكومة، لكن يجب فرضها بحكمة وعقلانية، وليس بهذا الشكل المبالغ فيه، وخصوصاً أنّ قطاع غزّة يمرّ بظروف صعبة تتمثل في الحصار الإسرائيلي والانهيار الاقتصادي الكبير جراء العدوان الاسرائيلي في أواخر 2008 وبداية 2009». ويشير الى أنه «لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة كبيرة في فرض الضرائب من دون أي مستند قانوني أو تشريعي». ويرى أن السبب هو البحث عن مصادر دخل لحكومة «حماس الفقيرة»، متسائلاً «أين الخدمات التي تقدمها الحكومة للشعب مقابل جباية هذا الكم الهائل من الضرائب؟».
واعتبر أبو رمضان أن فرض الضرائب على كل نشاط اقتصادي تقريباً خلق حالة كبيرة من التذمر في الشارع الفلسطيني، مشيراً الى أنه «ينبغي على الحكومة أن تراعي أوضاع الناس المعيشية الصعبة لا أن تُثقل كاهلهم بالضرائب».
وكان وكيل وزارة المالية في حكومة «حماس»، إسماعيل محفوظ، قد أعلن في برنامج «لقاء مع مسؤول»، الذي ينظمه المكتب الإعلامي التابع لحكومة «حماس» الأسبوع الماضي، أن حكومته تجمع نحو 3 ملايين دولار شهرياً من الضرائب، مضيفاً أن تلك الضرائب تغطي نحو 50 في المئة من نفقات الحكومة.
تأتي هذه السياسة الضريبية لحكومة «حماس» في ظل أوضاع معيشية صعبة يعانيها المواطنون في غزة تتمثل في البطالة والفقر، اللذين يسببان العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية لسكان القطاع المحاصر.
وكانت منظمة التعاون الإسلامي، قد أعلنت في تقرير نشرته الشهر الماضي أن معدل البطالة في غزة بلغ نحو 45 في المئة، ومعدل الفقر المدقع بلغ 39 في المئة، فيما يشكو 140 ألف عامل من عدم وجود فرصة عمل. وان كان أبو حسن نموذجاً للتاجر أو المستثمر الذي يخسر أعماله جراء السياسة الضريبية المجحفة، فان جواد محمود هو نموذج المواطن الذي يترنّح بين الفقر والبطالة. محمود (52 عاماً) كان يتلقى راتباً شهرياً يبلغ 1500 دولار أميركي، حين كان يعمل عامل بناء لدى شركة إسرائيلية في مدينة حيفا المحتلة قبل ثمانية أعوام. لكنه اليوم يجلس كل يوم بالقرب من محطة تعبئة وقود في حيه الشجاعية في مدينة غزّة، منتظراً أن يأتي شخص يستعين به للقيام بعمل ما ليوم أو يومين على الأكثر. منذ أن فقد الرجل وظيفته داخل الخط الأخضر، لم يعمل لأكثر من 5 أيام في الشهر الواحد، ما جعل من حياته وحياة أسرته، المكوّنة من 3 أولاد و4 فتيات ووالدتهم، لا تطاق. ويقول محمود إنه سيكون محظوظاً إذا تمكن من الحصول على 200 شيكل خلال شهر واحد الآن.
وتعتبر محطة الوقود هذه نقطة التقاء لمئات العاطلين من العمل، الذين يبحثون عن عمل مياوم. ويقول محمود، وهو يشعل سيجارته وتبدو على وجهه المتشقق علامات التعب: «انتظر هنا كل يوم لساعات، نتبادل خلالها الحديث إلى أن يأتي مقاول بناء أو شخص يريد إصلاح شيء بسيط في منزله، ويأخذ أحدنا للقيام بالعمل».
يركض محمود مسرعاً نحو رجل متوجهاً إلى جمع العاطلين. يتزاحم على الرجل العشرات منهم، لكن محمود، لم يكن محظوظاً، لأن الرجل اختار شاباً يافعاً بدت مظاهر القوة على جسده. هو لا ينتظر وحده عمل مياوم، بل ينتظر معه ابنه الأكبر، علهما يستطيعان أن يحصلا معاً القوت اليومي للعائلة.
يقول جواد إنّ الأسعار ازدادت بشكل كبير في غزّة نتيجة الحصار وفرض الضرائب، ما زاد معاناة عائلته. ويتابع «كنت أتبرع بجزء من مالي للفقراء كل شهر، أما الآن فأنا بحاجة لمن يتبرع لي»، مضيفاً أنه «يتلقى بعض المساعدات الغذائية من عدّة جمعيات اغاثية محلية، ولكن بشكل غير منتظم».