الإسكندرية | تتجه الأنظار اليوم في مصر إلى مستقبل العلاقة بين حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي الذراع السياسية للدعوة السلفية، ولا سيما في ظل منافسة شرسة بين الطرفين على أحقية الزعامة السياسية لحركات الإسلام السياسي، فضلاً عن التنافس والصراع الخفي الدائم بينهما منذ ثمانينيات القرن الماضي في المجال الدعوي والفقهي. تنافس لا يحمل بُعداً تاريخياً فقط، من خلال تبادل الاتهامات بالتفريط في التدين الصحيح من قبل الدعوة لأنصار الإخوان، أو اتهام بالتشدد والغلو وعدم الاهتمام بأمر المسلمين من قبل الإخوان تجاه الدعوة، على الرغم من تقليل هذه النبرة كثيراً بعد الثورة. يومها حدث تقارب نوعي بينهما فرضته واقعية العمل العام، والاصطفاف النوعي في مواجهة بعض الحركات العلمانية، وهو ما تجلى في شكل التعاون داخل مجلس الشعب، وداخل الجمعية التأسيسية للدستور، ولا سيما في بعض القضايا التي تمس الشريعة الإسلامية.
أما اليوم، فبات التنافس بين الطرفين لافتاً بنحو أكبر في الشأن السياسي، وخاصة الحزبي منه، بعد دخول «النور» في تنافس صريح وعلني وقوي مع الحرية والعدالة في الانتخابات الماضية، إثر رغبة من «الحرية والعدالة» في منح «النور» حصة عدّها السلفيون لا تتناسب وحجمهم، وذلك في التحالف الديموقراطي الذي أقامه الإخوان مع عدد من الأحزاب الأخرى. ودخل «النور» تحالفاً مع الجماعة الإسلامية والأصالة، كان هو صاحب الكلمة العليا فيه.
ومنذ ذلك الحين، بدأ التنافس يأخذ طابع الندية مثلما كان في الشأن الدعوي، ولا سيما مع تولي الشيخ ياسر برهامي، الملف السياسي بما له من خلفية تنظيمية قوية، يرى من خلالها أن الدعوة على قلة خبرتها في العمل السياسي قادرة على منافسة الإخوان.
وبالفعل شهدت الانتخابات صراعاً حافلاً في كثير من الدوائر، وتبادل للاتهامات، بما رسخ هذه الندية. وكان للإخوان الحصة الأكبر في الفوز في قرابة 47 في المئة من المقاعد، والدعوة السلفية في قرابة 23 في المئة من المقاعد، ليصبح حزب النور الحصان الأسود للانتخابات.
هذه الخلفيات جميعها، مضافاً إليها حالة الاستقطاب بين التيار الإسلامي والعلماني في مصر، جعلت من شبه المستحيل تحالف الإخوان مع تيار غير إسلامي. ولا يبقى بين التيارات الإسلامية، طرف قوي إلا الدعوة السلفية وحزبها للتحالف معه، إن أراد الإخوان تحالفاً.
هذه المعادلة والخلفيات استوعبها الإخوان مبكراً، حينما سعت قياداتهم في آب الماضي إلى عقد جلسات تشاورية امتدت حتى الآن مع الدعوة السلفية لطرح فكرة التقارب بين الفصيلين من دون النقاش في أي تفاصيل.
الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، صلاح الدين حسن، لفت إلى أن نظرة الإخوان إلى السلفيين هي أنهم قوة على الأرض من الممكن أن توظف سلباً أو إيجاباً في اتجاهم، إما من طريق الأخذ من رصيدهم، وإما من طريق استخدامهم في الحشد، ضد القوى الليبرالية. ونبه إلى أن هناك تياراً قوياً داخل الدعوة متمرداً، يسعى دوماً إلى إثبات الوجود مع الإخوان يمثلهم ياسر برهامي وعبد المنعم الشحات وبعض قيادات حزب النور، كأشرف ثابت. في المقابل، يوجد تيار آخر يستطيع الإخوان احتواءه عبر تقريبه إليه. ومن بين وجوهه الشيخ محمد عبد المقصود في القاهرة، ومحمد يسري إبراهيم المقرب من خيرت الشاطر، ورئيس مجلس شورى علماء الدعوة السلفية. وتوقع حسن ألا يحدث تلاقٍ بين الطرفين، إلا في حدود تنسيق ضيق جداً على شخصيات إسلامية توافقية بينهما. وأرجع ذلك إلى أن السلفيين يرون نفسهم رقماً مهماً وصعباً في المعادلة السياسية، والإخوان من جانب آخر يرون في أنفسهم الجناح السياسي للإسلاميين جميعاً، ومن ثم ستتغلب عليهم روح الهيمنة ولن يكون عندهم تنازل سلس في حصة السلفيين. وبحسب مصادر مطلعة على بعض اللقاءات التشاورية، فإن الحصة التي قد يفكر الإخوان في التحالف مع السلفيين فيها لن تتجاوز قرابة 30 في المئة من المقاعد.
وأشار حسن إلى أن في حالة عدم قدرة الإخوان على احتواء السلفيين أو التحالف معهم بالحصة التي يرونها، فإن تشجيع تفجير حزب «النور» من الداخل سيكون مطروحاً. واستدل بذلك على الأزمة التي اندلعت بين الجناح الدعوي أو المتأثر بالإخوان والذي يعلي من قيمة التنظيم، وبين بعض مؤسسي الحزب الذين يرفضون هيمنة سلفيي الإسكندرية وصقور الحزب على مقاليده. وهو أمر مشابه لما حدث إبان الانتخابات الرئاسية، حين أيد ياسر برهامي عبد المنعم أبو الفتوح، فيما كان هناك جناح آخر يؤيد مرسي.
واتفق القيادي البارز في حزب النور، بسام الزرقا، مع حسين إبراهيم عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، على أن أي تحالف أو تقارب قد يكون سابقاً لأوانه تأكيد منحى معين فيه، ولا سيما أنه لم يُحدَّد نظام انتخابي معيّن. وأكدا لـ«الأخبار» أن كافة اللقاءات أو التجمعات التي جمعت الفصيلين كانت توضيح نيات أو مجرد طرح أفكار، من دون أن ترقى للتنسيق.
إلا أن الزرقا أكد من جانبه أن الانتخابات المقبلة ستكون «على غير مثال»، بما يعني أنها ليست مشابهة لأي انتخابات سابقة، مشدداً على أن فكرة وجود لاعب فاعل يختار النسب لغيره بات من الماضي، وأن أي فصيل يتحدث عن أفضليته السياسية، يفعل ذلك لرفع معنويات قواعده.
أما إبراهيم، ففضل الحديث عن تعاون السلفيين والإخوان في البرلمان والتأسيسية، مشيراً إلى أن الحديث عن شكل النظام الانتخابي يعد الأهم. وإذا كان حديث إبراهيم يوضح رغبة دخول الإخوان في تحالف مع النور، إلا أن هذه الرغبة ستصطدم بشروط ذات سقف عال من قبل حزب النور، من المرجح أن تعوق هذا التحالف، إلا في بعض الدوائر القليلة جداً.