تونس | عقد القضاة التونسيون مجلسهم الوطني، أول من أمس، بدعوة من جمعية القضاة، أصدروا في أعقابه بياناً اتهموا فيه الحكومة بالسعي إلى الهيمنة على الجهاز القضائي من جديد، على خلفية حركة القضاة لسنة ٢0١٢ التي رفضتها الجمعية. رئيسة الجمعية، القاضية كلثوم كنو، التي عانت بسبب نشاطها في جمعية القضاة من العقوبات الإدارية والنقل التعسفي والحصار الأمني في زمن النظام السابق، قالت في تصريح إلى إحدى الصحف الإلكترونية التونسية إن السلطة سارعت إلى غلق صفحة الجمعية على موقع «فايسبوك»، احتجاجاً على البيان الذي أصدرته الجمعية. وقد جاء في البيان «إن القضاة التونسيين يعبّرون عن رفضهم واستنكارهم للقرارات الصادرة عن وزير العدل تحت مسمى حركة القضاة لسنة ٢٠١٢ لعدم شرعيتها، ولإعادة إنتاجها لنفس النظام القضائي البائد بالتوجه إلى إسناد أهم الخطط الوظيفية طبق معايير الانسجام والارتباط بالنظام السابق، وتأبيد المظالم واستهداف القضاة المستقلين ونشطاء الجمعية، بما يؤدي إلى إفساح المجال أمام هيمنة السلطة السياسية على القضاء والتراجع عن استحقاقات الثورة». ودعت الجمعية القضاة إلى اعتصام في مقرّها احتجاجاً على حركة النقل والترقيات. ورفض عدد من القضاة الالتحاق بمراكز عملهم الجديدة. كذلك طرد عدد آخر من مراكزهم الجديدة، بعدما تجمع مواطنون مقربون من حركة النهضة، ورفضوا تعيين هؤلاء القضاة لتورطهم مع النظام السابق في محاكمات أنصار حركة النهضة في التسعينيات.
وتأتي هذه الأزمة الجديدة بين القضاة والوزير نور الدين البحيري، أحد قياديي النهضة، بعدما فشل المجلس الوطني التأسيسي في التصويت على الهيئة المستقلة للقضاء العدلي، التي يطالب القضاة بأن تكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن ترقيات القضاة ونقلهم. إلا أن اعتراض كتلة حركة النهضة على «استقلالية» هذه الهيئة كان وراء الفشل في الحصول على العدد اللازم من الأصوات لإقرار مشروع الهيئة.
وفي غياب هذه الهيئة، اضطر وزير العدل إلى إحياء المجلس الأعلى للقضاء، الذي كان يترأسه بن علي، وسيطر من خلاله على الجهاز الأخطر في البلاد. وقد رأى القضاة أن إحياء هذا المجلس الذي تمّ حله بعد صعود الترويكا إلى الحكم، يؤكد تعثر الأداء الحكومي وغياب وضوح الرؤية. وهو ما اعتبرته جمعية القضاة خيانة لمطلب أساسي من مطالب الثورة وهو استقلالية القضاء.
وكان الوزير أعفى، في غياب المجلس الأعلى للقضاء، ٨٢ قاضياً خلال شهر أيار من مهماتهم بتهمة الفساد، في سابقة تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ تونس. وقد تم التراجع عن إعفاء تسعة قضاة، وهو ما اعتبرته نقابة القضاة دليلاً على تسرع الوزير في قراراته واعتماده مبدأ الولاء السياسي.
من جهته، رأى وزير العدل أن إعادة الروح إلى المجلس الأعلى للقضاء كانت شراً لا بد منه في انتظار التصديق على هيئة دستورية تعنى بتنظيم القطاع القضائي بعيداً عن التجاذبات السياسية.
لكن يبدو أن المعركة ستتواصل بين الحكومة من جهة وجمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة من جهة أخرى، وإلى جانبهم المرصد التونسي لاستقلال القضاء الذي أسسه الرئيس السابق لجمعية القضاة أحمد الرحموني، الذي أرّق النظام السابق.