دمشق | بعد محاولات عدة وشائعات عن التأجيل، عُقد أمس في دمشق «المؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا»، بمباركة ومشاركة كل من سفير روسيا، عظمة الله كولمخمدوف، وسفير إيران محمد رضا شيباني، إلى جانب دبلوماسيين صينيين، وقد دعا إلى الحفاظ على وحدة سوريا وتكاتف الجهود بين جميع المعارضين لإسقاط النظام الحالي، بالإضافة إلى مطالبته النظام والمعارضة بوقف العنف وعقد مؤتمر دولي حول سوريا.
وبعد يوم طويل من المناقشات داخل فندق أمية، الذي استضاف المؤتمر، أصدر المشاركون بياناً ختامياً أكدوا فيه أنه بعد مناقشات مستفيضة للوثائق المعروضة على المؤتمر، وهي وثيقة العهد الوطني التي توافقت عليها المعارضة السورية في اجتماعاتها بالقاهرة في شهر تموز، ووثيقتا المبادئ الأساسية وتصور الوضع الحالي والمرحلة الانتقالية، أقر المؤتمر «الوثائق المعروضة عليه ويعتبر أن رؤيته للمرحلة الراهنة والانتقالية تكمل ما تم التوافق عليه في مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة».
كما أكد المجتمعون أن «استراتيجية الحل الأمني العسكري التي انتهجها النظام للرد على ثورة الشعب المطالب بالحرية والكرامة والديموقراطية، تسببت في تعميم العنف وخلقت بيئة ملائمة للعديد من الأجندات الخاصة». ودعا المؤتمر «إلى وقف العنف فوراً من قبل قوى النظام والتزام المعارضة المسلحة بذلك فوراً وذلك تحت رقابة عربية ودولية مناسبة».
كذلك طالب المؤتمر المبعوث الأممي والعربي، الأخضر الابراهيمي، «بالمبادرة الى الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه جميع الأطراف المعنية، تكون مهمته البحث في أفضل السبل السياسية للبدء بمرحلة انتقالية تضمن الانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي». كما دعا «جميع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج المؤمنة بضرورة التغيير الديموقراطي الجذري الشامل الذي يحقق للشعب السوري مطالبه التي ثار من أجلها، ويحافظ على وحدة سوريا وسلامة أرضها وشعبها، للعمل المشترك في سبيل ذلك». وشدد المجتمعون على أن «التغيير المنشود لا يمكن أن يتم إلا بإرادة السوريين أنفسهم وبأيديهم».
ومن بين المطالب التي قدمها المؤتمر، «الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السوريين، ومن بينهم الدكتور عبد العزيز الخير والأستاذ إياس عياش والأستاذ ماهر الطحان أعضاء المؤتمر»، فضلاً عن «كشف مصير جميع المفقودين والسماح بعودة المهجرين السوريين إلى منازلهم عودة كريمة لائقة».
وأكد المؤتمر استمرار ورشات العمل الاختصاصية، التي سوف تبحث في جميع القضايا والسبل لإنقاذ سوريا ووضع خطط وبرامج قابلة للتنفيذ على هذا الطريق، مشيراً إلى تشكيل لجنة متابعة من اللجنة التحضيرية وممثلين عن القوى والأحزاب والهيئات المدنية المشاركة في المؤتمر لمتابعة تنفيذ مقررات المؤتمر وتوصياته.
وكان المؤتمر قد بدأ أعماله بالنشيد السوري الذي وحّد جميع الحاضرين، ليتبع ذلك الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء «الوطن السوري»، بحسب تعبير أحد مقدّمي المؤتمر. أول المحتفين بالشهداء كان ممثل اللجنة التحضيرية للمؤتمر رجاء الناصر، الذي فقد نجله طارق منذ أيام، من دون أن يمنعه ذلك، وفقاً لما أكد، من مواصلة التحضيرات وإلقاء كلمته الافتتاحية، مشيراً إلى المخاطر المحدقة بسوريا وطناً شعباً.
وتحدث الناصر عن حجم الصعوبات التي تعترض طريق الإنقاذ، مشيراً إلى أن «خيارنا ليس واحداً من مجموعة خيارات، بل إنه الوحيد. وليس أمامنا إلا أن نقول: كفى للقتل والدمار وهذه الحرب المعلنة على الشعب. كفى لفتح سوريا على الفساد والتخلف وجعلها ساحة صراع لمصالح وأجندات دولية».
ممثل اللجنة التحضيرية وأمين سر الهيئة بدا متفائلاً بالمستقبل ومستبشراً بثورة «سنصنعها بأيدينا وحدنا»، إذ جاءت هيئة التنسيق وأصدقاؤها وحلفاؤها بحسب الناصر، «من سوريا. من قلب المحنة والمأساة جئنا لنعلن دون لبس أننا جزء من ثورة شعبنا».
ورأى الناصر أن «المسؤولية الأولى في الأحداث تقع على النظام، كالعادة، في السير على طريق العنف ذي الكلفة الأعلى من دماء الشعب»، مؤكداً على الفكرة الدائمة وهي أن «عنف السلطة هو ما دفع إلى العنف المضاد». وأشار إلى أن «النضال السلمي هو أهم أسس المؤتمر من أجل وضع مخطط لإنقاذ التلاحم الوطني الذي عرفته سوريا عبر تاريخها الطويل». بدوره، شدد عبد المجيد منجونة، باسم هيئة التنسيق على تمسك المعارضة «بالنهج السلمي ورفض العنف والطائفية والتدخل العسكري». واعتبر أن «إسقاط النظام هو الجسر الذي نمر عليه الى الدولة المدنية والديموقراطية»، معبراً عن إدانة الهيئة «ممارسات النظام واستنكار اعتقال زملائنا الثلاثة».
وأشار إلى أن الهيئة توصي بتبني وثيقة العهد الصادرة عن مؤتمر القاهرة وتبني وثيقة المرحلة الانتقالية التي صاغتها اللجنة المنظمة لهذا المؤتمر.
أما السفير الروسي، عظمة الله كولمخمدوف، فألقى كلمة نقل فيها تمنيات وزير خارجية بلاده سيرغي لافروف للمجتمعين بالنجاح، مع التأكيد على تأييد تطلعات الشعب السوري والتشديد على فكرة الحوار المفتوح للوصول إلى الحل السلمي، وهو الأمر الذي تدعمه روسيا وتصرّ عليه بتعاملها مع جميع أطياف المعارضة السورية.
وركّز السفير الروسي في كلمته، على ضرورة تخلص سوريا من المجموعات المسلحة، ووجوب ترك تسوية الأزمة للسوريين أنفسهم، بعيداً عن التدخل الخارجي بما فيه التمويل وتسليح المرتزقة. كما تحدّث كولمخمدوف عن اتصالات روسيّة مع الدول الغربية، تُجرى بهدف «التأثير على المجموعات المسلحة لوقف التطرف والعنف والانطلاق من بنود السلام الستة التي وضعها المبعوث الأممي السابق كوفي أنان»، مشدّداً على تأييد جهود المبعوث الحالي الأخضر الإبراهيمي حتى إطلاق حوار وطني شامل.
ووصف كولمخمدوف، في تصريح خاص لـ«الأخبار»، اختفاء أعضاء هيئة التنسيق الثلاثة بالحادث الغامض، معبّراً عن أهمية الإفراج عنهم مع متابعة التنسيق الروسي والبحث بهدف معرفة مصيرهم.
ومن ضيوف المؤتمر الناشط المصري صلاح الدسوقي، الذي عرّفت عنه الهيئة المنظمة على أنه أحد قادة الثورة المصرية. والأخير اعتلى المنبر ممتدحاً الشعب السوري الذي ثار ولم يكن من رادّ لثورته. أما اللافت في كلمة الدسوقي فكان تمحور كلمته حول نظرية المؤامرة أسوةً بالنظام، إذ دعا إلى ضرورة توحيد القوى الثورية في وجه محاولات الصهيونية ومؤامراتها لإجهاض الثورات وتجييرها لصالحهم، مستشهداً بالمثال المصري والتونسي. كذلك تليت رسالة من المعارض الأردني ليث شبيلات، حملت تحية للقوى الوطنية المشاركة في المؤتمر وغزلاً بجهود الهيئة ووعيها من خلال إدانة للخطاب الطائفي.
وعلى هامش المؤتمر، أكّد المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية المعارضة، حسن عبد العظيم، أن سبب عدم حضور القيادي البارز في الهيئة هيثم مناع، يعود إلى انتظاره قرار الهيئة، التي رأت أن وجوده في الخارج يحقق فائدة أكبر. وأكد لـ«الأخبار» أن الهيئة ترى في ظهور الجيش الحر مجرّد حماية للسلمية ورد فعل على عنف بدأه النظام، لكنه أعرب عن رفض الهيئة قدوم أشخاص من جنسيات عربية وأجنبية للقتال في البلاد. وشدد على أن «الشعب السوري هو أدرى بنضاله وشؤونه وثورته، وهو القادر على التغيير دون أي تدخل خارجي». ورأى عبد العظيم أن «تلاحم المعارضة الوطنية في سوريا بكل قواها وأطرافها على رؤية سياسية مشتركة هو الذي يضع حداً في ما بعد لتدخل هؤلاء المقاتلين الغرباء أو أي تدخل آخر إقليمي أو عربي أو دولي». من جهته، أدلى المعارض البارز عارف دليلة، الذي كان ضيف المؤتمر، بتصريح خاص لـ«الأخبار»، أكد فيه أنه يجد في المؤتمر خطوة ومحاولة يجب أن تعقبه خطوات أخرى وأن تفتح الحياة السياسية بشكل كامل بما يكفل للجميع حرية الإعلام والرأي والتعبير والتظاهر والاجتماع وتشكيل الأحزاب وحريات أخرى لو امتلكها السوريون لما انزلقوا في مطب العنف الحالي.
ورداً على سؤال حول الجدوى من مؤتمرات كهذه في ظل صوت الرصاص، لم يجد دليلة بداً من القول: «لو أن الحوار كان مفتوحاً دائماً لما سمعنا صوت الرصاص». وأضاف «الرصاص جاء نتيجة للقمع. العنف الحالي ليس إلا نتيجة أمام عنف أعظم وهو إغلاق الباب أمام حرية الرأي والتعبير بعد نصف قرن للقمع في سوريا».
أما حول مدى تأثير معارضي الداخل على الحراك فعلياً، فشدد دليلة على أن الفرصة لم تُتح لهؤلاء الحديث مع المواطن، موضّحاً تواصله في البداية مع قادة الحراك الشعبي على الأرض على الرغم من أن انفجار الحراك جاء مفاجأة للجميع. وأضاف «لكن حصلت بعض اللقاءات التي كان من الممكن أن تستمر دون أن تنحو نحو العنف وتضطر إلى الخروج عن السيطرة».



المشاركون في المؤتمر

شاركت مجموعة من الأحزاب والتيارات السورية في مؤتمر «إنقاذ سوريا»، وضمت أحزاب «هيئة التنسيق» حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي، حزب الاتحاد الديموقراطي P.Y.D، حزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي، حركة الاشتراكيين العرب، الحزب الشيوعي السوري ــ المكتب السياسي، هيئة الشيوعيين السوريين، تيار إسلامي ديموقراطي.
كذلك شارك كل من حزب التنمية الوطني، حزب الأنصار، حزب التضامن، التيار الوطني، الحزب الديموقراطي الكردي السوري، الحزب الديموقراطي الآشوري، الحزب الديموقراطي الاجتماعي، هيئة الحكماء، حركة السوري الجديد، فضلاً عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان، جمعية نساء سوريات، الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية ومنظمات شبابية، بالإضافة الى عدد من المستقلين، بينهم المعارض عارف دليلة (الصورة).