احدى المليشيات اللبنانية، بقيت على مدى خمس سنوات تبحث عن جدي «عباس» في مداهمات أقلقت ليالي مخيم القاسمية، أما جدي فكان في قبره بعد أن استشهد في معركة شرسة مع العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان برصاصة مباشرة في الرأس. لم يقتنع هؤلاء أن جدي لم يعد على قيد الحياة، وبقيت مداهمة المخيم مستمرة حتى طفح الكيل بستي، فدلّت عناصر الميليشيا على مكان القبر قائلة: «حسن هناك، روحوا اعتقلوه!». أبو جهاد الوزير، وديع حداد، جورج حبش وغيرهم، كلها أسماء يعرفها فلسطينيو الشتات ويتناقلون تاريخ نضالها من جيل إلى جيل، شخصيات أحترمها وأقدرها، ولكن اليوم، سأحكي لكم قصة جدي «العباس»، أو كما أحببت دوماً أن أناديه «الجندي المجهول» في تحية لكل فدائي فلسطيني سقط اسمه سهواً بين السطور، دون أن يكرمه أي فصيل أو يذكره أحد. لم تُناسب أفكار الفصائل الفلسطينية عقيدة هذا الرجل، فحركة «فتح» غرقت بأموال التمويلات وانحرف مسارها عن القضية الأساسية وهي تحرير كامل التراب الفلسطيني. أما الجبهة الشعبية، فهم باختصار يساريون، أكثرهم «بيدق كاس»، وجدي البدوي لم يكن حتى يسمح لبناته بارتداء تنورة، «فما بالك بالمشروب»!. لم يرد أبداً اللجوء إلى أي تنظيم آخر يمنحه البارودة التي لطالما حلم بحملها، فاتجه نحو جماعة صدام حسين، أصحاب النشامة والعقيدة، على الأقل من وجهة نظره. جدي حمل بندقيته، ولم يوجهها يوماً إلا باتجاه عدوٍ واحد: الإسرائيلي. كان يلجأ ورفاقه إلى بساتين المخيم، يختبئون هناك في النهار، يحرسون المخيم في الليل، ويخططون للعمليات القادمة. أما أمي فهي التي كانت تنقل لهم الطعام والماء، لتصبح بنظري ثاني فدائية من عائلة الشهيد حسن حسين ذياب الملقب بـ«أبو عباس مري». في 19 حزيران 1980، سقط جدي في معركة «ملحمة القاسمية» شهيداً في مواجهاتٍ مباشرة مع الإسرائيليين، سميت ملحمة لأنها لم تكن معركة متكافئة في العتيد والعداد، ورغم ذلك أسقطت عدداً من الإسرائيليين بين قتيلٍ وجريح. جدي دافع عن كرامة لبنان إيماناً منه بأن التحرير يبدأ بالدفاع عن هذه الأرض كي لا تتكرر تجربة فلسطين فيها، ودافع عن المخيم لأن صموده يضمن حق اللاجئين فيه بالعودة إلى وطنهم، حتى عاد إلى المخيم شهيداً وزُف عريساً فيه، ومن يومها لم يعد يذكره أحد. فتحية إجلال للشهيد البطل حسن الحسين ذياب، اسمه الحركي «عباس حسن أبو مري» من مواليد النبي يوشع في فلسطين عام 1931، وتحية إجلال لكل فدائي فلسطيني سقط على هذه الأرض شهيداً في سبيل الدفاع عن لبنان والعودة إلى كامل التراب الوطني الفلسطيني.