أظهرت دراسة أكاديمية أميركية أن إسرائيل ضللت الولايات المتحدة في قضية مجزرة صبرا وشاتيلا وأفشلت جهوداً بذلتها الإدارة الأميركية في حينه للحؤول دون ارتكابها. والدراسة التي أعدها الباحث في التاريخ الدولي في جامعة كولومبيا الأميركية، ساث أنزيسكا، ونشرتها قبل أيام صحيفة «نيويورك تايمز»، هي عبارة عن أطروحة دكتوراه استندت في مصادرها إلى وثائق أرشيف الدولة الإسرائيلي، التي اطلع عليها أنزيسكا الصيف الماضي، وهي وثائق تتعلق بمحاضر المحادثات التي أجراها مسؤولون إسرائيليون وأميركيون قبل وأثناء المجزرة التي حصلت بين 16 و 18 أيلول عام 1982.
ويخلص أنزيسكا في بحثه إلى أن تل أبيب خدعت واشنطن بشأن الأوضاع داخل لبنان خلال الأشهر الأولى من الاجتياح ودفعتها إلى الاعتقاد بوجود «آلاف المخربين داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين». ويرى الباحث أن «سجلات الأرشيف الإسرائيلي تدل على حجم الخديعة (الإسرائيلية) التي أضرت بالجهود الأميركية للحؤول دون ما حصل من سفك للدماء» وأن «الولايات المتحدة أظهرت ضعفاً وخضعت للادعاءات الإسرائيلية الكاذبة، ما سمح باستمرار المجزرة».
ويشير أنزيسكا إلى أن الجيش الإسرائيلي كان قد ألقى على القوات اللبنانية مهمة الدخول إلى المخيمات الفلسطينية في أعقاب اغتيال الرئيس بشير الجميل لـ«تطهيرها من المقاتلين». وقبل بدء المجزرة بيوم واحد، أي في الخامس عشر من أيلول، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغين، قد التقى المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، موريس درايفر، وقال له خلال الاجتماع إن «الهدف الرئيسي اليوم هو الحفاظ على السلام، وإلا فقد تحصل مجازر».
وفي اليوم نفسه، أبلغ رئيس الأركان الإسرائيلي، رفائيل إيتان، الأميركيين أنه يخشى من حصول «مجزرة عديمة الرحمة»، كذلك أعرب نائب رئيس الوزراء، دافيد ليفي، عن الخشية نفسها خلال اجتماع الحكومة المصغرة في اليوم التالي، حيث قال: «أنا أعلم أن الانتقام (للجميّل) بالنسبة إليهم (القوات اللبنانية) يعني نوعاً من المجزرة. لن يصدق أحد أنهم دخلوا إلى هناك لضبط النظام، وسنتحمل نحن المسؤولية».
وكشف الباحث أنه في لقاء جرى في السابع عشر من أيلول، أي في اليوم الثاني لارتكاب المجزرة، وضم كلاً من وزير الدفاع في حينه، أرييل شارون، وعدداً من ضباط الاستخبارات الإسرائيليين ووزير الخارجية الإسرائيلي، إسحاق شامير، إضافة إلى المبعوث الأميركي درايفر «لم يشر شامير إلى المجزرة التي بدأت في الصباح السابق». ووفقاً لمحضر الاجتماع، أبدى شارون إصراراً على أن «المخربين يستوجبون تطهير المنطقة»، فيما شعر الأميركيون المشاركون في اللقاء بالتهديد في كلامه وساد أجواء اللقاء التوتر. بالرغم من ذلك، طلب درايفر أن ينسحب الجيش الإسرائيلي فوراً، فما كان من شارون إلا أن انفجر قائلاً: «لست أفهم، ما الذي تتوقعه؟ هل تريد أن يبقى المخربون؟ أنت تخشى من أن يعتقد أحد ما بأنك شاركت في المؤامرة معنا؟ اِنف ذلك، ونحن سننفي».
وفي سياق النقاش الذي دار، قال شارون: «لن يحصل شيء. قد يُقتل المزيد من المخربين، وهذا لمصحلتنا جميعاً». وأردف مضيفاً: «سنقتلهم ولن يبقوا هناك، وأنت لن تذهب لتنقذهم، هؤلاء مجموعة الإرهاب الدولي... وإذا كنت لا تريد أن يقتلهم اللبنانيون، فسنقتلهم نحن... عندما يتعلق الأمر بأمننا ووجودنا، فإن هذه مسؤوليتنا ولن نسمح أبداً للآخرين بأن يقرروا عنا».
ويروي الباحث أن درايفر أوضح قبل موته عام 2005 أنه قال لشارون: «عليك أن تخجل. إنهم يقتلون الأطفال. المنطقة موجودة تماماً تحت سيطرتك ولذلك أنت المسؤول». وبالرغم من ذلك، فإن السفير الأميركي في تل أبيب خلال تلك الحقبة، صموئيل لويس، قال لأنزيسكا إنه كان من الصعب منع المجزرة «إلا إذا كان (الرئيس الأميركي رونالد) ريغان رفع الهاتف وتحدث مع بيغين». لكنه أضاف أنه «حتى في هذا السيناريو، كان شارون سيجد السبيل لمواصلة العمل».