شهد مقرّ مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أمس، جلسة عاصفة حول البحرين، حيث عرض وفد حقوقي بحريني للانتهاكات الصارخة التي ترتكبها السلطة، فيما دافعت السلطة عن موقفها وادعت أنها ماضية في تطبيق الإصلاحات وتوصيات لجنة التحقيق الدولية، لكن وزير الخارجية الشيخ خالد آل خليفة، الذي حضر الجلسة، رفض أن يكون في سجون المملكة سجناء رأي.
المفارقة أنّ كلاً من وفد المعارضة والسلطة ادّعى أنّه حقق نصراً في جنيف. الأول قال إنّ جميع الوفود الحقوقية المشاركة في الجلسة أدانت انتهاكات النظام البحريني، وأن الأخير بدوره، أقرّ بحصول انتهاكات ووعد بمعالجتها وبتنفيذ كل التوصيات كي يتجنب «تقريعاً مريراً»، على حدّ وصف أحد المشاركين. أما الثاني، فقد رأى أن اعتماد تقرير الوفد الرسمي في توصيات الجلسة بمثابة إنجاز.
وبين هذا وذاك، كان هناك تعليق لأحد المعارضين في المنفى، الذين تابعوا الجلسة عن بعد، قائلاً إن الجلسة كانت مخيبة للآمال ولم تقدّم أي جديد غير مراجعة التوصيات وتأكيد تطبيقها. أما وفد النظام، من جهته، فأكّد تنفيذ التوصيات وتعهد مواصلة جهوده في هذا الإطار ثم «صفق الجمهور وانتهى العرض!». وبحسب بيان صادر عن المعارضة، تلقى النظام في البحرين «إدانة عالمية من خلال 176 توصية كان قد تلقاها خلال المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، وهو من بين أعلى الأرقام بين التوصيات التي وجهت للدول، فيما وعد النظام بالتزام 154 توصية».
لكن في جميع الأحوال، قدّم الوفد المعارض عرضاً موفقاً لانتهاكات السلطة في جميع الميادين. وضم هذا الوفد شخصيات حقوقية بارزة كالحقوقي سيد يوسف المحافظة والنائب السابق سيد هادي الموسوي والمحاميين محمد التاجر وجليلة السلمان، إضافة الى لميس ضيف ومريم الخواجة وندى ضيف وغيرهم من الحقوقيين.
وعرض كل من الشخصيات جانباً من جوانب انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. وافتتح النائب السابق، رئيس لجنة حقوق الإنسان في جمعية «الوفاق» المعارضة، سيد هادي الموسوي، الجلسة وقال إن انتهاكات حقوق الإنسان صادمة والحكومة ليست جادة بشأن توصيات لجنة بسيوني، وقدم مستنداً عن حجم الانتهاكات. وقال الناشط الحقوقي، سيد يوسف المحافظة، في مداخلته إن النظام يكافئ المعذبين والجلادين بالعطايا والترقيات، مشيراً إلى أن «الإفلات من العقاب سياسة ممنهجة من قبل النظام».
من جهتها، عرضت لميس ضيف لغياب العدالة المتأصلة في الحياة العامة البحرينية، وأشارت بالأرقام إلى كيفية استحواذ آل خليفة على المناصب العليا، إضافة إلى توزيع المناصب على أساس طائفي بحيث تحتكر الطائفة السنية النسبة الأكبر من المراكز.
ففي وزارة الداخلية، قالت ضيف إن الشيعة يحتلون 10 في المئة من المواقع، فيما تحتل العائلة المالكة 35 في المئة والسنة 55 في المئة. وفي مجلس الدفاع الأعلى، تحتل العائلة 13 مقعداً من أصل 14. وقالت إن الشيعة الذين يشكلون غالبية السكان لا يستطيعون أن يعملوا داخل المؤسسة العسكرية لأسباب طائفية، وإن السلطة الحاكمة تستقدم مرتزقة من الخارج وتقوم بتجنيسهم وتوظيفهم في السلك الأمني. وفي السلك القضائي، قالت ضيف إن آل خليفة يحتلون نحو 33 في المئة من المناصب، والسنة 58 في المئة، فيما يتقاسم الشيعة والأجانب بقية المراكز. أما مجلس الوزراء، فيضم 24 في المئة من الشيعة، و36 في المئة من السنة و40 في المئة من الوزارات تعود لآل خليفة.
بدورها، عرضت المحامية جليلة السلمان انتهاكات النظام الصارخة ضدّ قطاع التعليم وطلبة الجامعة والمدارس.
وفي مداخلات وفود الدول والمنظمات الحقوقية الدولية، كان هناك إجماع على إدانة النظام، لكن في الوقت نفسه رحبت بعض الوفود، ولا سيما التي تملك علاقات حميمة مع نظام البحرين، بجهود السلطات لتنفيذ توصيات لجنة بسيوني. وأجمعت الوفود على ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين وإيقاف التعذيب وإجراء حوار حقيقي وضمان حق التظاهر وبذل المزيد من الجهود في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وبعد الجلسة العاصفة ومؤتمر صحافي تلاها، أكد رئيس الحكومة البحريني، خليفة بن سلمان آل خليفة، أن «هذا الإنجاز الدولي والحقوقي المشرف هو انتصار للحق (اعتماد تقرير البحرين في التوصيات)، وصك نجاح يضاف إلى صكوك نجاح الحكومة في كل ميدان وبخاصة في سجلها في مجال حقوق الإنسان وصون كرامته، ورد دولي إيجابي وصريح على محاولات تشويه سجل البحرين الحقوقي».
من جهتها، رأت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، سميرة بنت رجب، أن جلسة جنيف «انتهت بنجاح وترحيب دولي». وأضافت: «لم يكن هناك طرح لأي التزامات جديدة على البحرين في هذه الجلسة». وفي هذه النقطة صدقت بنت رجب، فإن الجلسة لم تقدم أي التزامات جديدة على المملكة.



ندى ضيف تقرّع الوزير


شهدت جلسة حقوق الإنسان مشاكسة بين الأمينة العامة لمنظمة «برافو»، ندى ضيف، ووزير الخارجية الشيخ خالد آل خليفة، وذلك بعدما رفعت ندى يدها وأشارت إلى خليفة قائلةً: «أطالبك أنت، نعم أنت، أن تثبت للجميع صحة ما تقولونه بوقف القمع ورفع يدكم عن النشطاء». وأضافت: «نطالبك أمام كل هؤلاء أن تفي بتعهداتك وتطلق سراح جميع سجناء الضمير». ووصفت ندى الجلسة، في تغريدات على «تويتر»، بأنها «نجاح لم نكن نتوقعه». وحول ادعاءات النظام بأن الجلسة كانت نجاحاً له، غردت ضيف تقول: «أؤكد لكم من قصر الأمم المتحدة أن لا أحد صدق وعود النظام وقبوله للتوصيات. هناك جلسات غير معلنة وتم توبيخ النظام بقسوة ووضعه تحت المجهر». وخلال مداخلتها، تطرقت ضيف الى قضية سجناء الرأي، وطالبت النظام بإطلاق سراحهم.
وكان لافتاً خلال الجلسة أن وزير الخارجية رفض فكرة وجود «سجناء رأي» في البحرين، خلال ردّه على الدعوات بإطلاق المعتقلين السياسيين، وهو ما قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية مايكل بوسنر، إنه يضع حكومة البحرين «بمأزق حقيقي وبمثابة انتحار»، وفق ما غرّدت ندى ضيف. كذلك اتهم الوزير الجمعيات المعارضة برفض الحوار، وقال إن الحكومة مستعدة دوماً «لتفعيل الحوار الذي دعا إليه الملك ورعاه عدة مرات»، لكن «هناك من يعتقد بأن استمرار الشغب في الشوارع يعطي الميزة السياسية». الناشطة مريم الخواجة، بدورها، تحدثت في مداخلتها عن «القمع المفرط والاعتقالات الاعتباطية وظروف السجن غير الإنسانية وعمليات الانتقام وإثارة الكراهية ضدّ النشطاء».