أجج نشر مجلة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة رسوماً كاريكاتورية لنبي الإسلام محمد، من حالة الغضب لدى المسلمين، فيما عززت فرنسا والولايات المتحدة من احتياطاتهما الأمنية حول السفارات عبر العالم تحسباً لمزيد من التظاهرات الغاضبة غداً. وانتقد رئيس الوزراء الفرنسي، جان مارك ايرولت، خطوة نشر الرسوم، مشيراً إلى أنه في ضوء «السياق الحالي تقع المسؤولية على من يديرون هذه المجلة في تقرير ما ينبغى فعله أو عدم فعله». وأشار إلى أن السلطات رفضت طلباً للسماح بمسيرة في باريس احتجاجاً على فيلم «براءة المسلمين»، مشيراً إلى أنه «ما من سبب يدعو للسماح بتسلل صراعات لا تخص فرنسا للبلاد». بدوره، انتقد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، نشر الرسوم ووصفه بأنه مستفز، مطالباً الجميع «التصرف بشكل مسؤول». من جهته، اتهم المجلس الفرنسي الإسلامي، وهو الهيئة الرئيسية التي تمثل المسلمين في فرنسا، المجلة بإلهاب المشاعر المعادية للمسلمين في مثل هذا الوقت العصيب، فيما رأى رئيس الكيان الممثل للطائفة اليهودية في فرنسا، ريشار براسكوير، أن نشر رسومات مسيئة للنبي محمد في هذا التوقيت «تحت مسمى الحرية عمل غير مسؤول».
وعلى أثر مخاوف من تعرض البعثات الدبلوماسية الفرنسية لهجمات على غرار ما تعرضت له البعثات الأميركية طوال الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستغلق منشآت تشمل سفارات ومدارس في 20 دولة غداً. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فيليب لاليو، إنه عُزِّز أمن السفارات والقنصليات الفرنسية. من جهتها، أعلنت سفارة فرنسا في تونس، إغلاق كافة المصالح الفرنسية في تونس بما فيها المدارس. كذلك، عززت السلطات اليمنية إجراءاتها الأمنية حول مقر سفارة فرنسا في صنعاء «بناءً على طلب من السفارة».
في هذا الوقت، أفاد مصدر قضائي بأن «الجمعية السورية من أجل الحرية» قدمت شكوى أمام النيابة العامة في باريس ضد مجلة شارلي ايبدو بتهمة «الحض على الكراهية». واعتبرت الجمعية ان شارلي ايبدو «قررت صب الزيت على النار من خلال نشر رسم كاريكاتوري للنبي محمد»، كما جاء في نص الشكوى. ويتهم الشاكون المجلة الأسبوعية بـ«التحريض العلني على التمييز والكراهية والعنف القومي والعرقي والديني» و«القدح والذم العلني العرقي والديني». وقال المصدر القضائي ان النيابة التي تسلمت الشكوى ستقرر الخطوات اللاحقة.
وشكك البيت الابيض بالحكمة من وراء قيام مجلة شارلي ايبدو بنشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد، مع تشديده على أن أي عمل لا يمكن أن يبرر العنف.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني: «نحن على علم بأن جريدة فرنسية نشرت رسوماً تمثل النبي محمد، وبالطبع نحن لدينا أسئلة عن الحكمة من وراء نشر أمور من هذا النوع». وأضاف: «نعلم ان هذه الصور ستكون صادمة جداً للكثير من الناس»، ويمكن أن تسبب ردود فعل عنيفة.
وتابع: «إلا أننا نشدد دائماً على أهمية حماية حرية التعبير الواردة في دستورنا. وبشكل آخر فإننا لا نتساءل حول الحق بنشر أمور من هذا النوع، ولكن حول الحكمة التي أملت اتخاذ قرار نشرها».
وفي إيطاليا، أعلن وزير الخارجية، جوليو تيرسي، أمس، رفضه السخرية من الأديان. وشدد على ضرورة ألا ينسى أحد أنّ من الممكن محاكمة المسيئين إلى الأديان بموجب القانون الجنائي الإيطالي، مضيفاً أنه «يجب أن يكون هذا المبدأ معتمداً في جميع دول العالم».
ورداً على نشر الرسوم، عبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب عن رفض الأزهر «وكل المسلمين لإصرار المجلة الفرنسية لنشر الكاريكاتورات المسيئة للإسلام ورسوله، رسول الإنسانية».
أما القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة المصري، عصام العريان، فدعا إلى عقد اتفاقية ترعاها الأمم المتحدة لمنع ازدراء الدين، فيما رحب المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان، بانتقاد الحكومة الفرنسية للرسوم. لكنه قال إن على القانون الفرنسي أن يتعامل مع الإساءة للإسلام بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع إنكار محارق النازية.
من جهتها، استنكرت حركة النهضة الإسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس، الرسوم الكاريكاتورية، مشيرةً إلى أنها «تدين بشدة هذا الاعتداء المتجدد على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يأتي في مسلسل متواصل من جهات مشبوهة تدفع الى الكراهية والحقد بين الشعوب والاعتداء على المقدسات في استفزاز بغيض». وأعربت في بيانها عن «حق المسلمين في الاحتجاج»، داعيةً في المقابل إلى التزام الوسائل المدنية والسلمية. ولفتت إلى أن «جهات مشبوهة تسعى إلى تحويل الربيع العربي عن مساره ودفعه إلى الصراع مع الغرب»، داعياً إلى «عدم الوقوع في فخ هذا الاستدراج».
كذلك، حثت الجامعة العربية الغاضبين من الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة على «ضبط النفس» واتباع «الأساليب السلمية في التعبير الحازم عن الرفض لهذه الأفعال الشائنة التي تنم عن الجهل بالدين الإسلامي الحنيف ورسوله الكريم».
وفي باكستان، أعلنت الحكومة يوم غد الجمعة يوم اجازة وطنية تكريماً للنبي محمد. ودعت إلى مسيرات سلمية احتجاجاً على فيلم «براءة المسلمين». وتزامن القرار مع دعوات إلى اضراب عام غداً من أجل الاحتجاج جماهيرياً على بث ذلك الفيلم. كذلك، أفاد شهود عيان بأن ألف طالب تظاهروا سلمياً ضد فيلم «براءة المسلمين» في جلال أباد في شرق أفغانستان.
من جهتها، قالت وكالة الأنباء السعودية «واس»، إن المملكة هددت بحجب موقع يوتيوب كلياً في البلاد ما لم يمنع الوصول في السعودية إلى الفيلم المسيء للنبي. إلى ذلك، دعا البابا بنديكتوس السادس عشر المسلمين والمسيحيين إلى العمل معاً من أجل وضع حدّ للعنف والحرب، فيما اعتبرت صحيفة الفاتيكان نشر رسوم مسيئة للنبي «صبّاً للزيت على النار».