رام الله | ها هو أيلول يطل من جديد حاملاً معه الاستحقاق الفلسطيني، للمرة الثانية على التوالي. لكن الفرق كبير بين المرة الأولى والثانية؛ فبعد التحشيد الذي رافق مساعي العام الماضي لنيل الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والذي مني بفشل ذريع، تأتي مساعي العام الحالي خجولة وأقل مما كان يتوقع الشارع الفلسطيني، الذي وقف بأكمله العام الماضي خلف مسعى الاعتراف. قد يكون تدني مستوى التمثيل وراء قلّة الحماسة الحالية، أو ربما الارتباك الرسمي الفلسطيني، الذي لا يزال غير حاسم في ما إذا كان سينجح هذه المرة في خطوته، وهو يرى معارضة أميركية، وتلويحاً بعصا المساعدات، فيما تسري أحاديث عن اتفاق فلسطيني أميركي للتصويت بعد الانتخابات الأميركية، أي في تشرين الثاني، لا أيلول.
المطالب الشعبية اليوم متباينة من الخطوة، فبين من يراها ضرورية على اعتبار أن «لا شيء هناك لنخسره»، وبين من يعدّها ملهاة وتضييعاً للوقت، بعدما كان أكثر المتحمسين في العام الماضي. أسامة العيسة، من بيت لحم، يقول: «لا نتوقع الكثير، الذهاب الى الامم المتحدة هو تعبير عن أزمة سياسية حادة تعانيها القيادة الفلسطينية، اكثر من كونها عملاً نضالياً في أروقة المؤسسات الدولية». ويضيف: «لقد تمكنت القيادة، في ايلول الماضي، بعد عملية دعائية طويلة، وممنهجة من احداث ثقب في الغضب الشعبي عليها، بالذهاب والعودة من الامم المتحدة، وما أشبه اليوم بالأمس، حيث تعيش الاراضي المحتلة حالة من الغليان، وهو على وشك الانفجار، الانفجار آت، ولا اعتقد هذه المرة ان الذهاب الى الامم المتحدة وتحت سقف اقل من الماضي سيساهم في نزع فتيل الانفجار، لأن مسبباته عميقة في الارض الفلسطينية».
أما الصحافي داوود كتاب، فيعتقد أن في هذه المرة هناك «تنسيقاً خفياً فلسطينياً أميركياً مبنياً على مبدأين، اولهما عدم التوجه إلى مجلس الامن، بل إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة، وهو مطلب دولي سابق كانت القيادة الفلسطينية قد رفضته، وثانيهما أن التصويت على الاقتراح سيتم في 29 تشرين الثاني، وهو يوم التضامن الدولي مع فلسطين. والمهم هنا انه بعد الانتخابات الاميركية».
ويرى ساهر الصوص أنه ما دام اللوبي الصهيوني متحكماً في أميركا، فإنها ستقف دائماً أمام قيام دولة فلسطينية، فالذهاب مرة اخرى هو مضيعة للوقت، الا اذا كان الذهاب للأمم المتحدة يصب في التعريف اكثر بالظلم الواقع على الفلسطيني لشريحة اكبر من العالم لدعم المقاطعة الشاملة ضد اسرائيل. لكن محمود أبو عمر، من رام الله يرى غير ذلك، فيقول لـ«الأخبار»: «أنا مع الحراك دائماً، واذا لم تؤت المرة الاولى أُكلها، فهذا لا يعني الاستسلام والسكون، بل يجب ان نتحرك دائماً ونناضل بكل الاشكال وفي كل الاوقات للحصول على ما نريد».
الناشط فارس عاروري رأى أن موضوع «الاعتراف بالدولة الفلسطينية» أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، «فالحكومة الاسرائيلية غير مهتمة بحل الدولتين، على الأقل حالياً، وممارساتها على الارض تهيئ لإنهاء هذه الامكانية». أما بالنسبة إلى قيادة السلطة والمنظمة، فيقول عاروري إن «حل الدولتين هو مبرر وجودها، وبالتالي، ففي دفاعها عن إبقاء حل الدولتين على قيد الحياة، فإن القيادة الفلسطينية تدافع عن مصالحها المباشرة لا عن المصالح الاستراتيجية للشعب الفلسطيني، ولو ان القيادة الفلسطينية تمتلك رؤية استراتيجية، ولو كانت تهتم بالمصالح الاستراتيجية للشعب الفلسطيني لفعلت العكس تماماً، ولبدأت بالترويج لانتهاء صلاحية حل الدولتين، وبدأت بالتمهيد للمطالبة بحل الدولة الواحدة».
أما هيثم أبو عطية، فبدا أكثر صراحة في رأيه، حيث قال لـ«الأخبار» إن «السلطة الفلسطينية تترنح سياسياً، فهي لم تتعلم يوماً لعبة السياسة، فإن من يريد السباحة في بحر السياسة من دون أن يفهم كيف يتعامل مع أمواجها يكون قد خدع نفسه وخدع الناس بقدرته على الانتصار، وبذلك لا يستحق الاحترام ولن يذكره التاريخ إلا في لائحة عشاق الأماني، لأنه ألقى بأحلامه على الآخرين وطلب منهم تنفيذها».
رامي عودة تحدث لـ«الأخبار» بالقول: «أتأمل أن تذهب القيادة فعلاً إلى الأمم المتحدة، وأن لا تكرر ما فعلته العام الماضي، حيث جيشت الشارع، وحمست الناس، ومن ثم تراجعت بسبب الضغط الدولي». عودة يعتقد أن الذهاب للأمم المتحدة سيرفع اسم فلسطين، وسيعيد للقضية زخمها، وبالتالي الانخراط في كافة المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة. ويعتقد الكثيرون، بحسب عودة، أن الذهاب للأمم المتحدة سيواجه بوقف الدعم المالي للسلطة، رغم أن الحقيقة أننا نواجه أزمة مالية فعلاً من دون التوجه إلى الأمم المتحدة، لذلك فلنجرب خيار الذهاب من دون التفكير في المال.
شفاء اسحق، أجابت باختصار، ومباشرة عن إمكانية ما سيجنيه الفلسطينيون من التوجه للأمم المتحدة للمرة الثانية بالقول: «ما جنيناه من أيلول الماضي، وزيادة حبتين».



أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، أن إلغاء اتفاق اوسلو مطروح للنقاش فلسطينياً، في ظل التنكر الإسرائيلي لعملية السلام والصمت الدولي عن الممارسات الإسرائيلية التي تنهي حل الدولتين على ارض الواقع بعدما ألغت أوسلو عملياً. لكنه أضاف: «لا ينبغي استعجال الرد على هذه المسألة، لأننا نحن نتحدث عن قضايا تمس المصير الوطني ولا يمكن التصدي لهذه القضايا بالقليل من الشعارات وباجتماع أو اجتماعين».