القاهرة | «إلا رسول الله»، الشعار الذي هيمن على تظاهرات الإسلاميين في مصر ضدّ الفيلم المسيء للنبي محمد. وفي مواجهة السفارة الأميركية في العاصمة المصرية القاهرة، لم يكن تطبيقه بالسهولة نفسها التي أُطلق بها؛ فالعنف المصاحب لفض التظاهرات التي حاولت اقتحام السفارة في حي «غاردن سيتي»، والذي وصل إلى حد سقوط أول قتيل برصاص الشرطة في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، كان يشي ربما بأن الرئيس السابق لحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قد أدرك مغبة ترك الشباب الإسلامي المتحمس يمضي في التعبير عن نصرة نبيّه.
ورأى أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز «ابن خلدون» للدراسات الإنمائية، سعد الدين إبراهيم، المقرّب من الإدارة الأميركية، في حديث إلى «الأخبار» أن الاحتجاجات الأخيرة وتصرف الإخوان المسلمين يدل على أن مكتب إرشاد الجماعة ومحمد مرسي أصبحا أكثر تعقلاً بعدما وصلا إلى السلطة. وأضاف «ولأن الجماعة كلها تتبع منهج السمع والطاعة، فإن الأمر انعكس على سلوك أعضاء الجماعة التي تبرّأت من الاحتجاجات أمام السفارة الأميركية من ناحية، وتراجعوا عن المشاركة في تظاهرات الجمعة»، مضيفاً أن هذا التعقل لم ينسحب على التيارات السلفية لكونها لم تصل إلى السلطة فقط.
بدوره، قال خالد حربي، المدير التنفيذي لحركة «حازمون»، وهم أتباع المرشح السلفي المستبعد من الانتخابات الرئاسية حازم صلاح أبو إسماعيل، لـ«الأخبار» إنه «لا يرى ردّ فعل رئاسة الجمهورية والحكومة المصرية كافياً حيال أزمة الفيلم الأميركي؛ فالمتوقع في هذا الصدد هو أن تطالب الحكومة المصرية نظيرتها الأميركية بتسليم المتهمين اللذين يحملان الجنسية المصرية لتجري محاكمتهما في مصر، لا أن تقاضيهما الحكومة المصرية هناك، كما أعلن رسمياً» .
أما مصطفى الغنيمي، عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، فرأى أن ردود الفعل على الفيلم كافية جداً، مضيفاً «يكفي أن رسالة واضحة من شعوب العالم الإسلامي وصلت إلى الولايات المتحدة، مفادها أن تلك الشعوب لا تقبل الإساءة إلى المقدسات، وخاصة المقدسات الإسلامية»، مستبعداً تعرّض العلاقات المصرية الأميركية لأي تدهور على خلفية التظاهرات.
موقف المسؤولين المصريين يمكن تفسيره من زاوية التحالف الوطيد بين مصر والولايات المتحدة، ومن ورائه المساعدات الأميركية. وفي هذا الصدد يبدو جلياً مدلول الاتصال هاتفي بين وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، لكون الجيش المصري هو المتلقّي للجزء الأكبر من تلك المساعدات، حوالى 1.3 مليار دولار أميركي من أصل 1.5 مليار تمثل إجمالي المساعدات الأميركية إلى مصر سنوياً.
وكان المتحدث باسم الجيش المصري قد أصدر بياناً قبل أيام قال فيه إن السيسي تلقّى اتصالاً هاتفياً من بانيتا. وعبّر هذا البيان عن دفء في العلاقات، بإشارته إلى أن الطرفين أكدا «رفضهما الفيلم المسيء للرسول، وعمق العلاقات بين البلدين ومتانتها»، وأن «وزير الدفاع الأميركي أبدى تفهّمه لحالة الغضب التي تجتاح الشارع المصري، وقدم شكر الإدارة الأميركية على الجهود الأمنية المبذولة لحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية في مصر، والتي تمثل رسالة طمأنة على أرواح أعضاء البعثة».
وهو مضمون لا يبدو متسقاً مع السياق العام لتصريحات الجانب الأميركي خلال الأيام القليلة الماضية، وخصوصاً اتصال الرئيس الأميركي باراك أوباما بنظيره المصري، والذي أكد خلاله على أهمية أن «تفي مصر بالتزامها بالتعاون مع الولايات المتحدة في تأمين المنشآت الأميركية الدبلوماسية وموظفيها، وإلا فستكون هناك مشكلة كبيرة».
ولا تقتصر مصالح الإدارة المصرية مع نظيرتها الأميركية على المساعدات العسكرية؛ فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحتل المركز العاشر في قائمة دول العالم من حيث استثماراتها في مصر، هي ثاني أكبر شريك تجاري لمصر بعد الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن مصر تمثّل أكبر سوق يستهلك القمح الأميركي.