تونس | في سابقة لم يعرفها تاريخ تونس، دعت وزارة الخارجية الاميركية الموظفين غير الأساسيين وعائلات الدبلوماسيين الأميركيين في تونس إلى مغادرة البلاد على أثر أحداث يوم الجمعة الماضي، كما دعت المواطنين الأميركيين إلى تجنب السفر إلى تونس بسبب ما حدث. من جهتها، أكدت وزارة الخارجية التونسية ثقتها بأن العلاقات بين تونس وواشنطن «لن تتأثر» بما حدث من «أعمال هوجاء»، معربةً عن «استنكارها وعميق استيائها» لما وصفته بـ«التصرفات اللامسؤولة».
وفي الحصيلة النهائية لضحايا التظاهرات، أعلنت وزارة الداخلية التونسية ارتفاع عدد القتلى إلى أربعة، فيما ناهز عدد رجال الأمن المصابين الـ25 وعدد الجرحى الـ49. كذلك أعلنت الوزارة توقيف 75 شخصاً في إطار التحقيق معهم في أحداث الهجوم، مؤكدة أنه ستتم معاقبة كل من يثبت القضاء تورطه في الهجوم على السفارة الاميركية.
وكشف المتحدث باسم الوزارة، خالد طروش، في تصريح إذاعي، أن الشرطة تواصل تحرياتها لتوقيف كل من له علاقة في الحادث، من دون أن يوضح هويات أو انتماءات الموقوفين. كذلك اقتحمت قوات الأمن منزل أبو عياض، أحد شيوخ السلفيين، لكنها لم تعثر عليه. وقال أنصاره على صفحتهم على فايسبوك إنه تم نقل أبو عياض إلى مكان آمن.
وفي ردود الفعل على الحادث، أدانت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس الوطني التأسيسي ما حصل، ودعت إلى التشدد في حق المجموعات المتطرفة حتى لا تكون تونس ملاذاً للإرهاب الدولي. وذكرت دائرة الإعلام والتواصل التابعة للرئاسة التونسية في بيان أن اجتماعاً طارئاً عُقد برئاسة الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي، خُصص لبحث التطورات الأمنية في البلاد وسبل التعامل معها، شارك فيه رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، ورئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي، ووزراء الداخلية علي لعريض، والدفاع عبد الكريم الزبيدي، والخارجية رفيق عبد السلام، والعدل نورالدين البحيري.
كذلك أكد المشاركون التزام الدولة بحماية مقومات الأمن والاستقرار العام في كامل التراب التونسي، وأخذ كل الإجراءات اللازمة، بما في ذلك مزيد تأمين السفارات والبعثات الدبلوماسية والمدارس وحماية الجاليات الأجنبية.
بدورها، رأت أحزاب المعارضة أن ما حدث كان متوقعاً وطبيعياً بعد التساهل الذي تعاملت به وزارة الداخلية مع السلفيين الذين يعتبرهم جزء كبير من التونسيين الجناح المسلح لحركة النهضة. وذهبت أحزاب المعارضة إلى أن الترويكا الحاكمة تتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه صورة تونس في العالم والتي ستكون عائقاً أمام الاستثمارات الخارجية والسياحة التي تعدّ المورد الأول في البلاد.
وحده رئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، تمايز في موقفه، إذ رأى أن ما حدث هو ردّ فعل طبيعي على مسّ المقدسات، مجدداً دعوته إلى ضرورة تضمين الدستور فصلاً يجرّم المس بالمقدسات، وهو الفصل الذي ترفضه أغلب مكوّنات المعارضة، حتى حزب «التكتل من أجل العمل والحريات» شريكها في الحكم.
أحداث السفارة الاميركية الدامية زادت الاحتقان في الشارع التونسي ضد الترويكا الحاكمة. فمع الفشل في مشاريع التنمية والتشغيل جاءت هذه الأحداث لتعمّق أزمة الحكومة التي تواجه ملفات شائكة لم تنجح إلى حدّ الآن في أي منها، كما يقول معارضوها. ولعل هذا هو السبب في موافقة مجلس الشورى لحركة النهضة على تأليف حكومة وحدة وطنية، بعدما رفض ذلك سابقاً.