بعد أخذ ورد، يقرّ البرلمان العراقي اليوم قانون العفو الجديد بعد تأجيل لأكثر من أسبوعين، بسبب التباين في الموقف تجاهه والمخاوف من شموله لمجرمين متهمين بأعمال إرهابية، ونتيجة خلافات حول كيفية التمييز بين المشمولين بهذا العفو وعدم المشمولين به.
الخلافات السياسية أدت الدور الأساسي في تأخير إقرار القانون الجديد. فالقانون الذي تسلمت رئاسة مجلس النواب صيغته النهائية في 8 آب الماضي أُجّل بحثه في جلسات المجلس بطلب من رئيسه أسامة النجيفي، الذي طالب رؤساء الكتل النيابية خلال اجتماع عقد في 28 آب الماضي، بمواصلة الحوار بشأنه لحسم الخلافات الموجودة حوله. وكانت تسريبات أشارت إلى أن لقاء رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي قبل أيام سبّب تأجيل بحث القانون إلى حين التوافق السياسي على بنوده وإقراره دون إثارة المشاكل في مجلس النواب.
وبعد أسبوعين من البحث، جاء إعلان التوافق على القانون الجديد على لسان النجيفي، الذي كشف أول من أمس أن رؤساء الكتل واللجان النيابية اتفقوا على التصويت على قانون العفو العام في جلسة اليوم.
التعديلات التي أجريت على القانون تضمّنت سبع فقرات جديدة تتعلق بإضافة جرائم غير مشمولة بالعفو، كجرائم تهريب الآثار ومزوري الشهادات الجامعية ممن تسلموا مناصب عليا، فضلاً عن سرقة المصارف الحكومية والاهلية.
وانقسمت مواقف الكتل النيابية حول القانون الجديد بحسب المصالح الذاتية لكل كتلة. هكذا أثار المشروع الجديد الجدل، خصوصاً بين كتلة «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي وكتلة «الأحرار» التابعة للتيار الصدري، وذلك لمطالبة دولة القانون بتعديل بعض فقرات المشروع التي تحدد الفئات التي يشملها العفو من عدمها، فيما أصرّ التيار الصدري على شمول جميع منتسبي جيش المهدي (الجناح العسكري المجمد حالياً للتيار الصدري) بالقانون، فيما طالب نواب آخرون بشمول جميع السجناء، بمن فيهم المتورطون بجرائم الارهاب والقتل والخطف، بالقانون.
القانون الجديد يعدّ أحد بنود الاتفاق السياسي الذي مهد لتأليف الحكومة العراقية الحالية، والذي بموجبه دعم التيار الصدري ترشيح رئيس الوزراء نوري المالكي لولاية ثانية. وفي الاسبوعين الأخيرين، تعالت الاصوات المطالبة بإقرار القانون الجديد، فأكد المالكي في لقائه وفد وجهاء عشائر قبيلة بني كعب، نهاية آب الماضي، أنه مع إطلاق سراح أي عراقي، «شرط ألا تكون يده ملطخة بدماء الأبرياء»، في وقت طالب فيه رئيس الوزراء السابق إياد علاوي بإمرار القانون الجديد من أجل حرية آلاف العراقيين الأبرياء القابعين في السجون العراقية.
وفي أبرز بنود القانون الجديد، تنص مادته الأولى على أنه يعفى عفواً عاماً وشاملاً عن العراقيين (المدنيين والعسكريين) الموجودين داخل البلد وخارجه، المحكومين بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت أو بالحبس، سواء كانت أحكامهم حضورية أو غيابية، واكتسبت درجة البتات أو لم تكتسب.
كذلك يؤكد القانون أنه يجري إخلاء المحكومين والموقوفين المنصوص عليهم في المادة (1) و(2) من هذا القانون بعد صدور قرار الإفراج من اللجنة المؤلفة بموجب أحكام هذا القانون ما لم يكونوا محكومين أو موقوفين عن جرائم لم يقع الصلح فيها أو التنازل مع ذوي المجني عليه أو مدانين لأشخاص أو للدولة حتى يسددوا ما بذمتهم من دين دفعة واحدة أو على أقساط أو تنقضي مدة حبسهم التنفيذي.
ويأتي إعلان إقرار قانون العفو بالتزامن مع تصاعد الهجوم على الحكومة العراقية بسبب تزايد حالات الإعدام المطبّقة في البلاد، إضافة إلى ارتفاع أعداد المحكومين بالإعدام، وكان آخرها الحكم على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، إضافة إلى إصدار 270 حكماً بالإعدام منذ أن أعادت قوات الاحتلال الأميركية السيادة إلى الحكومة العراقية.
ومنذ عودة تطبيق حكم الإعدام في 2004، شهدت السنتين الأخيرتين زيادة ملحوظة في تنفيذه، حيث أعدم 68 شخصاً في 2011، فيما أعدم إلى حدّ الآن في 2012، 96 شخصاً، آخرهم 27 شخصاً في نهاية آب الماضي، مع توقع ارتفاع هذا الرقم مع تأكيد وزير العدل العراقي حسن الشمري وجود 1200 شخص محكومين بالإعدام، ينتظر قسم منهم إجراءات تنفيذ العقوبة بعد تصديق رئاسة الجمهورية عليها.