رام الله | يضم بروتوكول باريس الاقتصادي الذي وقّع في نيسان 1994، عقب اتفاقية أوسلو (1993)، أربعة قطاعات أساسية هي: العمل، والعلاقات التجارية، والمسائل المالية، والترتيبات النقدية. ورغم حمله صفة «المؤقت»، لم يعدّل الفلسطينيون فيه شيئاً، الى أن جاء يوم ثارت فيه الضفة وأجبرت السلطة على فتح هذا الملف. وفي ما يتعلق ببند «العمل»، يشترط البروتوكول أن يحاول «كِلا الجانبين الحفاظ على حركة عمالة طبيعية بينهما، شريطة أن يكون لكل جانب الحق في أن يُقرّر من فترة إلى أخرى حجم وظروف حركة العمالة إلى مناطقه». وفي «العلاقات التجارية»، ينص على أن يجري استخدام نظام التجارة الخارجية وسياسة الاستيراد في إسرائيل كبرنامج لنظام التجارة الخارجية وسياسة الاستيراد في فلسطين، «وهو ما يعني أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع فرض رسوم وجبايات أخرى أقل من تلك التي تفرضها إسرائيل»، كما يمكن أن تختلف النسبة الفلسطينية لضريبة القيمة المضافة عن تلك الموجودة في إسرائيل، ولكن في نطاق ضيّق.
وبخصوص «العلاقات المالية»، ينص بروتوكول باريس على نوعين من التحويلات المالية من السلطات الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية. يتضمّن النوع الأول مورداً مالياً عاماً يتألف من «ضريبة الدخل التي تُحسم من العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الشراء على البضائع الإسرائيلية»، والبند الثاني يتعلق برسوم الضمان الاجتماعي التي يدفعها العمال الفلسطينيون في إسرائيل، فيما يسمح بند «الترتيبات النقدية» بإنشاء سلطة نقد فلسطينية مُنحت الوظائف التقليدية التي يؤدّيها البنك المركزي من دون القدرة على إصدار عملة، وطلب البروتوكول تداول العملة الإسرائيلية «الشيكل» في الأراضي الفلسطينية ومنح إسرائيل سلطة «فيتو» فعّالة على إصدار عملة فلسطينية.
يتحدث المحلل الاقتصادي المقدسي خليل العسلي لـ«الأخبار» عن هذا البروتوكول، ويقول إنه لا يمكن التطرق اليه الآن من دون العودة الى لحظة توقيعه؛ ففي ذلك الوقت، قبل عقدين من الزمان، كان الأمر يقوم على بندين رئيسيين: صدق النية، ومرحلية الاتفاق. ويصف العسلي موضوع النية بأنه كان هناك تقارب آنذاك بين رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين والراحل ياسر عرفات، فذهب الفلسطينيون بحسن النية، على عكس الطرف الإسرائيلي الذي ذهب بنظرة مستقبلية للدولة الفلسطينية المقبلة، وربطها مالياً واقتصادياً بإسرائيل.
ويؤكد العسلي أن «أسوأ ما نتج من بروتوكول باريس هو ربط المنظومة المالية الفلسطينية بالمنظومة الإسرائيلية»، ويضيف أنه «ضمن البنود الأساسية له، يسمح للفلسطينيين بالاستيراد عن طريق الأردن، لكن في ذلك الوقت كان هناك مدرستان في فلسطين، الأولى تعتقد بوجوب التوجه شرقاً، لأن العمق العربي هو استراتيجي للدولة الفلسطينية المرتقبة، ومدرسة أخرى نادت بالتوجه غرباً لأن ذلك يعزز الاقتصاد الفلسطيني». ويتابع الخبير الفلسطيني أن «التركيز الفلسطيني على الاقتصاد الخدمي، وعلى قطاع تكنولوجيا المعلومات، على اعتقاد بأن هذا التوجه يقرّب فلسطين من الاقتصاد الكبير أو العالمي على حساب أو بتجاهل القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة، جعل الفلسطينيين يدفعون ثمن ذلك الآن، لأن اقتصادنا هش وصغير».
وفي مقابل ذلك، فإن الحكومات الفلسطينية المتعاقبة لم تحرك ساكناً ولم تحاول حتى طلب التعديل لبعض البنود، ومثال ذلك بند الضرائب، الذي من شأنه التخفيف عن الفلسطينيين، وعدم تفعيل بند الاستيراد من الأردن، فيما جاءت حكومة بنيامين نتنياهو وعملت على تعميق الارتباط الاقتصادي بين الطرفين.
ويعتقد العسلي بأن حكومة إسرائيل نجحت في جعل السوق الفلسطيني «الساحة الخلفية للسوق والاقتصاد الإسرائيليين، ومثال ذلك هو الأزمة التي تعانيها إسرائيل في قطاعي الزراعة والبناء، فهي بحاجة الآن إلى 5000 عامل زراعة لقطف المحاصيل، فتوجهت للعامل الفلسطيني، فيما هناك نقص في عمال البناء، فأصدرت تصاريح لـ10 آلاف عامل جديد، فتوجهت مرة أخرى للفلسطينيين، لأنها لا تملك أيدي عاملة، وأيضاً لأن ذلك يخفف من الأزمة المالية على الفلسطينيين، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك». أما الحل في نظر المحلل الاقتصادي خليل العسلي، فهو «سياسي» بامتياز، لكن مع غياب الأفق السياسي، فإن إمكانية تعديل بعض البنود الصغيرة في البروتوكول ستكون متاحة، وإسرائيل معنية بذلك».
أما الأستاذ الجامعي غسان أندوني، فيؤكّد لـ«الأخبار» أنه ليس سليماً أن يحاول أحد «بناء اقتصاد رأسمالي حرّ تحت الاحتلال. والمعروف أن أي شعب ينفق أكثر مما ينتج سيقع على وجهه، ونحن لا ننتج شيئاً مهماً، فلماذا الاستغراب من أن هناك غلاءً وفقراً؟»
ويخلص أندوني إلى أن «شيئاً واحداً مهماً حصل خلال التظاهرات ضدّ الغلاء، وهو أنّ الحكومة كانت عندما تريد حلّ العجز في ميزانيتها، كانت تلجأ إلى أسهل وسيلة، وهي مزيد من الجباية ورفع الأسعار، أما بعد التظاهرات فقد اضطرت الى التفكير في حلول أخرى». ويتساءل «إذا كانت الحكومة تعلم أن اتفاق باريس فيه خلل، فلماذا لم تطلب ولو مرة واحدة تعديله، إلا عندما انتفض الشارع؟ الاجابة بسيطة، لأنها كانت مستفيدة، وتحصل على أموال أكثر».



يؤكد وزير المال الإسرائيلي السابق أبراهام شوحط، الذي وقّع اتفاقية باريس عن الجانب الإسرائيلي، أن «الاتفاق كان في تلك الفترة مؤقتاً، ويسمح بإدخال بعض التعديلات على بعض البنود فيه، كما يأخذ في الاعتبار أن تلك الفترة انتقالية، خاصة بوجود مفاوضات بين الطرفين». ويضيف «الاتفاق مضى عليه عشرون عاماً، ولا مفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وبالتالي «أصبح من المنطقي تعديله، أو إلغاؤه». ووُقّع الاتفاق في حينه بين رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحق رابين والزعيم الراحل ياسر عرفات.