رام الله | حاولت الحكومة الفلسطينية احتواء الاحتجاجات الشعبية، المندلعة مذ أيام بسبب الغلاء والأوضاع المعيشية المزرية، من خلال اتخاذ سلسلة من القرارات غير المسبوقة تمثلت في اقتطاع من رواتب الوزراء وأصحاب المراتب والرواتب العليا وخفض الضريبة على القيمة المضافة وأسعار المحروقات الى ما كانت عليه في شهر آب. لكن يبدو أنها لم تنجح في تهدئة هذه الاحتجاجات، التي عادت وتجددت مساء أمس، ويتوقع أن تتصاعد بعد إعلان نقابة النقل العام إضراباً جزئياً وشاملاً يومي الأربعاء والخميس، وشاملاً يوم الاثنين المقبل. وأعلن رئيس الوزراء سلام فياض، في مؤتمر صحافي، جملة من الإجراءات التي من شأنها التخفيف من عمق الأزمة الراهنة، وقال إن اجتماع الحكومة ركز على استكمال بحث الأزمة وسبل التدخل بالتدارس مع الرئيس محمود عباس، بما في ذلك التوجهات لصرف 50 في المئة من رواتب الموظفين الحكوميين اليوم، بما لا يقل عن 2000 شيقل (500 دولار) واستكمال الباقي في غضون أسبوعين.
كذلك قررت الحكومة تقليصاً إضافياً في موازنات السلطة، باستثناء الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، وخفض ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة بدلاً من 15.5 في المئة، وهو الحد الأدنى الممكن في بداية الشهر المقبل. أما القرار الأكثر أهمية بالنسبة إلى الشارع الفلسطيني، فكان الإعلان أن الحكومة قررت إعادة أسعار كل من السولار والكاز وغاز الطهي إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وبدءاً من الغد، والتعويض عن ذلك من خلال الاقتطاع من رواتب الفئات العليا، التي تشمل الوزراء، وبشكل متدرج حسب مستوى الدخل.
وأكّد فياض إقرار مبدأ تشديد الرقابة على الأسواق من خلال تحديد هامش الربح وتشديد الإجراءات وفرض عقوبات رادعة على المخالفين، واستكمال الحوار بشأن الحد الأدنى للأجور، وبحد أقصى 15 تشرين الأول المقبل، إضافة إلى دفع كافة الاستحقاقات الضريبية لقطاع الزراعة. وقال إن مجلس الوزراء سيستمر بتداول الترتيبات الإضافية للتخفيف من العجز في الموازنة المقبلة، التي ستُبنى على يقين بخصوص الإيرادات المحلية والمساعدات الخارجية، مناشداً الدول المانحة، وخصوصاً الأشقاء العرب، الالتزام بتعهداتهم بصورة عاجلة لتمكين السلطة من الوفاء بالتزاماتها.
وختم فياض مؤتمره الصحافي بالتأكيد على حق المواطن الفلسطيني في التعبير عن رأيه، مُديناً في الوقت نفسه الاعتداء على الممتلكات الخاصة والأجهزة الأمنية، ورفض الحكومة لكافة أشكال الفوضى.
ورغم القرارات الحكومية، فإن الشارع لم يهدأ، حيث تجدّدت التظاهرات ضد الغلاء ورفع الأسعار مساء أمس، في رام الله والخليل ونابلس في الضفة الغربية.
وتجمّع عشرات الفلسطينيين في دوار المنارة استجابة لدعوة وجهها تجمّع «فلسطينيون من أجل الكرامة» تحت شعار «حرية، عدالة، كرامة وطنية». وردد المتظاهرون، وغالبيتهم من الشباب، «لا أوسلو ولا باريس ... دم الشهداء ميش رخيص» و«حرية عدالة كرامة وطنية». و«الشعب يريد إسقاط أوسلو». وطالبوا بإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية.
وتجمّع حشد في دوار ابن رشد في الخليل، حيث تكرّرت الدعوات الى رحيل حكومة فياض، وتحسين الظروف الاقتصادية، إضافة الى هتافات تعلن رفض القرارات التي أعلنها فياض للتخفيف من حدة الاحتجاجات. وفي نابلس، تجمّع حشد من مناصري حركة «فتح»، وقالوا إنهم يتظاهرون تأييداً للشرطة ومن أجل التنديد بارتفاع الأسعار.
من جهتها، أعلنت نقابة النقل العام في الضفة الغربية الإضراب الجزئي يومي الأربعاء والخميس. وقال الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، إن «نقابات النقل العام في الأراضي الفلسطينية قررت الإضراب الجزئي يومي الأربعاء والخميس احتجاجاً على القرارات التي اتخذها الدكتور سلام»، لافتاً إلى أن «الإضراب الجزئي سيكون من الساعة الثانية والنصف حتى الثالثة والنصف». وذكر أن كافة النقابات تداعت الى اجتماع مهم في مدينة رام الله، واستمعت الى القرارات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية، معتبراً ذلك أنه «غير كاف ولا يلبّي مطالبات النقل العام». وأكد أن النية تتجه لإعلان الإضراب الشامل يوم الاثنين المقبل إذا ما استمرت الأوضاع الحالية من دون اتخاذ إجراءات حقيقية تخفف أزمة السائقين.
وفي تعليقه على القرارات الحكومية، قال رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، صلاح هنية، لـ«الأخبار»، «من الواضح أن ما طرحناه في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني كعناوين وكإجراءات سريعة من قبل الحكومة الفلسطينية تم تلبية معظمها». وتابع «إننا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني قدمنا ورقة متكاملة للخروج من الأزمة بصورة سريعة، والتقينا مراراً مع رئيس الوزراء، ووضعنا أمامه هذه الإجراءات، ومن الواضح أن مطالبنا لاقت صداها لدى الحكومة، خصوصاً أننا لم نطرح معجزات وشعارات لا تتطابق مع الواقع المعيش». وأكّد أنهم بصدد استكمال خطواتهم باتجاه فتح ملف بروتوكول باريس الاقتصادي ودراسة آلية فك تبعية الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي الناتج من التحكم القسري.



تأتي قرارات الحكومة على وقع إعلان رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، خلال لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن حكومة الهند ستسهم بمبلغ 10 ملايين دولار لدعم موازنة السلطة الوطنية، والمساعدة في معالجة الأزمة المالية التي تعيشها السلطة حالياً. كذلك أعلن توقيع ثلاث اتفاقيات لدعم التنمية في الأراضي الفلسطينية، معتبراً ذلك مؤشراً على التزام الهند للمساهمة في دعم مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتدريب المهني والتعليم.