واشنطن | ذكرت مصادر دبلوماسية أن الحكومة التركية، التي صعّدت حملتها ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، قد أعربت مراراً عن استيائها من «تخلي الولايات المتحدة ودول أخرى» عن أنقرة في غمار الصراع الدائر حالياً في سوريا، والذي امتد إلى الأراضي التركية. ورغم أن هذه الدول تتجنّب الاستجابة لدعوات الحكومة التركية إلى إقامة ملاذات آمنة للنازحين السوريين داخل الأراضي السورية، هرعت حكومة رجب طيب أردوغان إلى استضافة ما يزيد على 80 ألف نازح سوري على أراضيها.في هذا الوقت، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى تعمّد مسلحي حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا تكثيف هجماتهم الدموية ضد أهداف أمنية ومدنية تركية، فضلاً عن تصاعد المخاوف من إمكان أن يمتد الصراع الطائفي الذي تشهده سوريا حالياً إلى داخل تركيا، نظراً إلى احتدام المعارك بين الطائفة العلوية والمسلحين الذين ينتمون إلى مجموعات إسلامية سورية وأجنبية على الحدود المشتركة بين البلدين.
غير أن المسؤولين الأتراك أعلنوا الاستمرار بالعمل بسياساتهم بشأن سوريا، في الوقت الذي يرى فيه خبراء ومحللون وجود تهديدات بسيطة تحدق بحكومة أردوغان من جراء هذه المشاكل. إلا أن استطلاعات للرأي أكدت انخفاض الدعم الشعبي الداخلي لمواقف أردوغان حول سوريا.
لذلك تجد حكومة أردوغان أن لديها مساحة محدودة في إدارة تداعيات «لم تكن متوقعة عندما انقلبت ضد الرئيس الأسد في العام الماضي»، حسبما يرى محللون. ونقلت الصحيفة عن مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط التابع لجامعة زيرف التركية، جوخان باسيك، قوله إن «أنقرة تدرك حالياً أنه لم تعد لديها القدرة على إعادة تنظيم سياستها وموقفها، لذلك باتت في أمس الحاجة إلى الدعم الأميركي الذي لن يأتي».
في هذه الأثناء، قال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أكدت خلال زيارتها لتركيا، في الشهر الماضي، أن بلادها لا ترى أن فرض منطقة حظر جوي على سوريا سيساعد في حل الأزمة السورية الراهنة. وأضاف المسؤول أن كلينتون دعت الجانب التركي، بدلاً من رفض مطالب أنقرة بشكل صريح، إلى الدخول في مناقشات ثنائية جادة وتنسيق ردود فعل البلدين تجاه الأزمة.
وأبلغت كلينتون المسؤولين الأتراك أن فرض منطقة حظر جوي يتطلب تدخلاً عسكرياً خارجياً كبيراً، وأن الولايات المتحدة لا تعتقد أن ذلك سيكون عاملاً مساعداً. لكن كلينتون بدلاً من إعلان رفض صريح للدعوات التركية، دعت إلى إجراء مزيد من المحادثات الثنائية ووضع «هيكلية عملياتية وقيادية» لتنسيق ردود البلدين تجاه الأزمة السورية.
ورأت الصحيفة أن تصريح أردوغان يوم الأربعاء الماضي، بأن سوريا باتت دولة إرهابية، قد عزز في الحقيقة من صدقية تركيا في العالم العربي، لكنه أحدث توتراً في الوقت ذاته في علاقاتها بإيران وروسيا وغيرهما من الدول التي لا تزال تدعم الحكومة السورية.
وتحتل أزمة النازحين السوريين عناوين الصحف التركية إلى جانب المعارك الطاحنة في الجنوب الشرقي لتركيا بين القوات الحكومية التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني. ويتهم مسؤولون أتراك سوريا بتسليح الحزب وتمكين فرع لحزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا الشهر الماضي من السيطرة على قطاعات على طول الحدود التركية.
كذلك اتهم مسؤولون أتراك حزب العمال الكردستاني بتفجير أدى إلى مقتل تسعة مدنيين في مدينة غازي عين تاب. وقال أحد المسؤولين إن تركيا تشعر بقلق خاص من أن الصواريخ السورية يمكن أن تقع في أيدي حزب العمال الكردستاني، ما يمكّنه من مهاجمة طوافات تستخدمها القوات التركية لمحاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وعلى الرغم من مواصلة الحكومة التركية إدانة الحكومة السورية، يقول مسؤولون ومحللون إنه لا توجد لدى تركيا شهية لنشر قواتها العسكرية من جانب واحد لمواجهة القوات السورية الحكومية أو تأمين منطقة آمنة للنازحين السوريين. ورصدت الصحيفة تنامي المعارضة الشعبية الواسعة النطاق داخل تركيا ضد عمل عسكري، ويقول محللون إن تركيا قلقة من تهديد شعبيتها في المنطقة حيث إرث الحكم العثماني يبقى نضراً. وقال الخبير في جامعة ليهاي في ولاية بنسلفانيا، هنري باركي، إن الجيش التركي غير مستعد بالقدر الكافي لوضع طويل الأمد على غرار الحرب المذهبية في العراق، مضيفاً «إنهم يدركون أن هذه أزمة متفجرة، والله وحده يعلم كيف تدخل وكيف تخرج» منها.
وكتب محلل السياسة الخارجية في صحيفة «حرييت»، سميح إديز، «إن الحكومة تواجه أزمة لا تملك إجابات عنها، ورأياً عاماً في الداخل ينمو بشكل متزايد، وشعوراً بعدم الارتياح»، مضيفاً «إذا كانت هذه ليست كارثة، فما هي؟».
وتشير «واشنطن بوست» إلى أن القلق واضح في أنطاكيا، التي تبعد أقل من ساعة عن الحدود التركية السورية. العديد من سكان هذه البلدة ذات المناظر الخلابة ومحافظة هاتاي هم من الطائفة العلوية.
وكانت أنطاكيا وجهة التسوق للسوريين، لكنها منذ التمرد المسلح في سوريا أصبحت قاعدة للنازحين السوريين والمتمردين، بما في ذلك الرجال الملتحين في المدينة. وقد سبّب ذلك تباطؤ التجارة وارتفاع أسعار الشقق.
ويحظى الرئيس السوري بدعم قوي في أنطاكيا، فيما يساور القلق حكومة أردوغان من هذا الأمر. كذلك احتدمت هذه المخاوف من قبل طرف المعارضة الرئيسية في تركيا التي تتهم الحكومة بتدريب المتشددين الإسلاميين في مخيم قريب للمنشقين. لكن الحكومة التركية تنفي ذلك، وتقول إنها لا تسلح المتمردين السوريين والأجانب.
وقال العضو المعارض في البرلمان التركي، رفيق إيريلمز، من هاتاي، التي تستضيف 5 آلاف نازح سوري، «إنهم عبارة عن تشكيل من المقاتلين المتدينين الجدد. ما هو الضمان بأن هؤلاء المقاتلين لن يقاتلوا يوماً ما ضد تركيا؟».
واختتمت «واشنطن بوست» تقريرها بالقول إنه على الرغم من تراجع تركيا عن تصريحاتها الأخيرة بعزمها على إغلاق حدودها مع سوريا عند وصول عدد اللاجئين إلى 100 ألف لاجئ، أبدى وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، الذي لا يزال يواجه انتقادات متنامية من قبل الرأي العام بسبب سوريا، أسفه حيال اتباع سياسة الانفتاح تلك.