بتفجيره جسر جرابلس الحديث وجسر قرة قوزاق بداية العام الحالي، كان تنظيم «داعش» يُقر بخسارته منطقة عين العرب نهائياً وتخوفه من متابعة المجموعات المناوئة له تقدمها باتجاه جرابلس ومنبج. إلا أنّ الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها الجسور على نهر الفرات، حيث مركز ثقل «التنظيم»، جعلت بقية الجسور هدفاً مثالياً للطيران السوري بغية الحدّ من تمدده.
التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية دمر في تموز الماضي جميع الجسور التي بُنيت فوق قنوات الريّ والتصريف الضخمة في محيط الرقة التي تربط المدينة بالبادية، مستثنياً جسري مدينة الرقة القديم والجديد وجسر المقلا - الفرات. قرار تدمير الجسور جاء عاجلاً لمنع «داعش» من نقل العتاد الثقيل إلى مناطق أخرى، بعد نقله عتاداً أميركياً من الرّقة إلى طريق خناصر ــ أثريا.
المسافة بين جسري جرابلس المدمر وبين قرة قوزاق هي قرابة الأربعين كلم. ميزتهما أنهما يقعان في سفح جبل مطل على الفرات، تابع لمنطقة منبج، حيث يصعب على «وحدات حماية الشعب» الكردية السيطرة عليهما. وكان «داعش» قد حاول مرات عدة تفجير الجسر الحديث المُشيد بينهما، كما حاول منذ أشهر إنشاء جسر على النهر يقع بين جسر المنصور (القديم) والرشيد (الجديد)، إلا أنّ مهمته باءت بالفشل.
طوال عامي 2011 و2012، ساد الهدوء مناطق الفرات والجزيرة، باستثناء دير الزور وريفها، قبل أن تُسيطر المجموعات المسلحة عام 2013 على معظم وادي الفرات. وفي أيلول 2012، دمر «الجيش الحر» الجسر الحربي الذي يصل بين جرابلس وزور مغار (عين العرب).

يمرّ فوق الفرات 15 جسراً وطريقاً بمُعدلّ جسر كل 40 كلم
وفي أيار 2013 فجّرت مجموعات أخرى من «الحر» الجسر المعلّق في دير الزور (يعود تاريخه إلى عام 1931)، ثم ما لبث الجيش السوري أن دمر فتحة من جسر السياسية، مع اشتداد الضغط على المدينة ولكونه خط الإمداد الرئيسي للمسلحين داخل المدينة.
يبلغ طول نهر الفرات (في سوريا) نحو 610 كلم. يمرّ فوقه قرابة 15 جسراً وطريقاً بمُعدلّ جسر واحد كل 40 كلم، دُمرت تسعة منها. عند حي الضاحية في شمال دير الزور، يتفرع «الفرات» إلى فرعين: جسرا المعلق والسياسية وفي الفرع الثاني يوجد 7 جسور. يُشكل النهر مانعاً طبيعياً في وجه القوات البرية ويحدّ من تنقل الآليات بشكل فعال. ويبدو أن «داعش»، الذي لجأ إلى تفخيخ الجسور، بات محروماً إياها، ما يعني تقليص فعاليته في الجزء الشمالي من البادية السورية، جنوبي نهر الفرات والذي يُطلق عليه اسم «الشامية». أما الجزء الجنوبي، المتصل ببوادي الأردن والعراق، فيُسمى «الحماد» ويُعتبر مسرحاً مهمّاً لـ«التنظيم» الذي يحاول الوصول عبره إلى طريق حمص – دمشق والغوطة الشرقية. على بعد كلم واحد من الجسر الحربي، شرقي جرابلس، يقع الجسر الحديث، أو ما يُعرف باسم جسر «باسل الأسد»، وقد دُمر في شباط الماضي.
تدمير معظم الجسور أدى إلى عرقلة التواصل بين أحياء المدينة وشطرها الشرقي. «الضرورات القتالية حتمت عرقلة خطوط إمداد الإرهابيين بعد محاصرة المدينة برّاً واعتمادها على المطار»، يروي مصدر عسكري.
عبور النهر تاريخياً
يعود تاريخ بناء أول جسر على نهر الفرات في سوريا إلى العهد العثماني، حيث أقيم جسر للسكة الحديدية عام 1913 بمحاذاة مدينة جرابلس. ثم بنى الجيش الألماني، خلال الحرب العالمية الأولى، جسراً للآليات تعرض للتلف، استناداً إلى الباحث في تاريخ حلب وضاح محيي الدين.
وعام 1931، دُشّن جسر دير الزور المعلّق، وكان حتى نهاية الستينيات المعبر الوحيد قبل إنشاء «جسر السياسية» وثلاثة جسور حربية عائمة من طراز «بيلي» في البوكمال وحلبية وجرابلس. جسر جرابلس كان آخر الجسور التي شُيدت.
المهندس جوزيف جريج يقول إنّ «الأضرار التي تلحق بالجسور يمكن إصلاحها سريعاً لأنها تصيب الفتحات غير النهرية»، كما أنّ الجيش «يملك جسوراً حربية يمكن نصبها في وقت قياسي».