الجزائر - باريس | ضحك الجزائريون مثلما لم يضحكوا من قبل، وتهكّموا مثلما لم يتهكّموا من قبل على صحافتهم، بعدما انساقت بعض الصحف إلى إطلاق سلسلة من الأخبار والتقارير الزائفة التي اعتبرها المحللون «فقاعات صيفية»، الهدف منها شغل الرأي العام عن الخلافات السياسية التي حالت دون تشكيل الحكومة الجديدة، بالرغم من مرور أربعة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية.
ولعل أبرز هذه «الفقاعات» تلك المتعلقة بتقرير تصدّر، قبل أيام، الصفحات الأولى لثلاث جرائد يومية جزائرية، ومفاده أن إسرائيل تخشى غضب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتتخوف من تلقي ضربات عسكرية جوية من الجزائر. التقرير نُشر في شكل تصريح طويل نُسب إلى الخبير الإسرائيلي عاموس هاريل، قارن فيه بين بوتفليقة والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في «تشدده تجاه إسرائيل وكرهه لليهود». ووصف التقرير الرئيس بوتفليقة بأنه «خطير وطموح، وتمكن من استرجاع مكانة الجزائر في القرار الإقليمي والدولي». واسترسل في الحديث عن الجزائر وقوتها العسكرية، مشيراً إلى أنه يستند الى تقرير مفصل للموساد في هذا الشأن. وأضاف: «إن إسرائيل لحقت بها خسائر فادحة جراء استخفافها بالخطر الذي يشكله هذا البلد». وضرب مثلاً عن ذلك بأن «قوة الطيران الحربي الجزائري كانت حاسمة في هزيمة إسرائيل عام 1973». وحذّر بالتالي من «مغبة الاستمرار في تجاهل الخطر الجزائري، رغم بعد المسافة التي تفصل الجزائر عن إسرائيل». وأشار الخبير الإسرائيلي الى أن تقرير الموساد المذكور جرى إعداده على أثر المخاوف التي في إسرائيل بعد «الجسر الجوي» الذي أقامه الجيش الجزائري لنقل أنصار منتخب بلاده لكرة القدم إلى أم درمان في السودان، خلال المقابلة الشهيرة ضد منتخب مصر، في نوفمبر، 2009. وانطلق التقرير من تلك الواقعة للتحذير بأن «الجزائر قد تشكل تهديداً خطيراً لإسرائيل، في حال نشوب حرب، بسبب صلاتها الوثيقة مع إيران وسوريا».

الطابع الدعائي الذي اتسم به نشر هذه التصريحات بالتزامن في ثلاث صحف يومية جزائرية واسعة الانتشار، وتركيزه المتعمد على تلميع صورة الرئيس بوتفليقة، دفع الكثير من الإعلاميين الجزائريين إلى التشكيك بصحة التقرير المذكور، وخصوصاً أن الصحف التي نشرته نقلته عن مواقع إلكترونية مشكوك بهويتها، وتلك المواقع بدورها نسبته إلى صحيفة أردنية مغمورة، الأمر الذي دفع إعلاميين جزائريين إلى الاتصال بالخبير الإسرائيلي، عاموس هرئيل، المعروف بتقاريره العسكرية في «هآرتس»، التي تستند في أغلب الأحيان إلى مصادر من الموساد. ونفى هرئيل بصورة قطعية ما نُسب إليه، وقال في رسائل تبادلها بالبريد الإلكتروني مع إعلاميين جزائريين: «لا صحة على الإطلاق لهذا الكلام المنسوب إليّ. فأنا أكتب أحياناً عن إيران وسوريا ومصر، وفي مرات نادرة كتبتُ عن ليبيا. لكن لم يسبق أن كتبتُ ولو حرفاً واحداً عن الجزائر»!

لكن هرئيل ناقض هذا الكلام لاحقاً في مقالة نشرها على الموقع الإلكتروني لـ«هآرتس»، واستعار عنوانها من فيلم صوفيا كوبولا الشهيرLost In Translation، حيث استغرب ما نُسب إليه في الصحف الجزائرية، لكنه اعترف بأن صحيفة «اللواء» الأردنية نقلت مقالة نشرها بالفعل عام 2009 عن موضوع «الجسر الجوي» الجزائري نحو أم درمان!

تناقض أقوال عاموس هرئيل أثار كثيراً من التساؤلات. وبالرغم من أن معظم الجزائريين أجمعوا، حتى قبل أن يصدر الخبير الإسرائيلي نفيه، بأن محتوى التقرير المنسوب إليه «بعيد عن الواقع بعد السماء عن الأرض». وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أجمعت التعليقات بأن «من الصعب تصديق أي حرف مما ورد فيه، لأن تركيبته ذات طابع دعائي واضح، حيث جاءت مفككة وغارقة في الأحكام المطلقة بكون قوة الجزائر العسكرية خارقة وقادرة على قطع آلاف الكيلومترات لإلحاق الضرر بإسرائيل، بالرغم من التفوق الإسرائيلي في مجال المراقبة من الفضاء، كونها تستطيع تجنيد أقمار التجسس الأميركية لصالحها»، إلا أن دوافع نشر التقرير وهوية من يقف وراءه لا تزال محل تساؤل وريبة.
بعض المحللين يرون أن تناقض تصريحات هرئيل يرجح أن يكون الأمر بالفعل «تمويهاً مبيّتاً من الموساد، لقياس «نبض التحالفات» في ظل الأزمات العربية الحالية، ولا سيما تلك التي تخص الحرب في سوريا، وما قد ينجم عنها من صدامات إقليمية، فضلاً عن محاولات إسرائيل الترويج لضربة ضد «النووي الإيراني»، ما قد يفسر حديث التقرير عن محور إيراني ـــ سوري ـــ جزائري، بينما يرى آخرون أن التقرير «منتحل من قبل جهة مجهولة في كواليس النظام الجزائري، لصرف انتباه الرأي العام المحلي عن التصدعات الحالية في الجبهة السياسية الداخلية، جراء العجز على تجاوز الاختناق السياسي، والفشل الاقتصادي، وتفاقم الاضطرابات الاجتماعية. وهو إشكال ثلاثي الأبعاد يؤرق السلطات ويهدد السلم الأهلي».
وينطلق أصحاب هذا الرأي من اعتقادهم بأن النظام بحاجة إلى إشعار الناس بتهديد خارجي لامتصاص الغضب الداخلي الناجم عن هذه الإخفاقات والخلافات المتراكمة المذكورة التي أدت إلى عجز النظام عن تشكيل حكومة، رغم مرور أربعة أشهر على انتخاب البرلمان الجزائري الجديد».