تونس | في تصعيد هو الأول من نوعه، هاجم الرئيس التونسي المؤقت، منصف المرزوقي، حلفاءه في حركة النضهة، متهماً اياهم بـ «السعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة الادارية والسياسية عبر تسمية انصارهم». هذا الموقف للمرزوقي في مؤتمر حزبه «المؤتمر من اجل الجمهورية»، الذي قرأه نيابة عنه وليد حدوق، كان كافياً ليغادر على اثره وزراء وقياديو النهضة القاعة، وهم وزير الفلاحة محمد بن سالم ووزير الداخلية علي العريض والناطق الرسمي باسم الحكومة، وزير حقوق الانسان، سميرديلو، وعبد الفتاح مورو نائب الأمين العام لحركة النهضة، وعامر العريض رئيس المكتب السياسي للحركة. مغادرة هذه المجموعة للقاعة بعد اتهام المرزوقي لحلفائه بأنهم على خطى النظام السابق، اكدت عمق الخلاف الصامت بين الحليفين العدوين، ورغم محاولة رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي التقليل من اهمية ما قاله المرزوقي، وبأن رأيه لا يمثل حزب المؤتمر، فإنه من الواضح أن كلمة المرزوقي كانت بمثابة اعلان الطلاق مع التحالف الذي أوصله إلى قصر قرطاج رئيساً بلا صلاحيات.
المرزوقي أراد برسالته، التي تضمنت نقداً واضحاً لأداء الحكومة واتهامها ببطء الإنجاز والإصلاح والتضييق على الحريات باسم المقدسات، التوجه إلى الشعب لإقناعه بأنه لا يزال وفياً لشعارات الثورة لاستعادة شعبيته التي بدأت في التراجع بسبب اداء الحكومة. كذلك أراد أن يوجه رسالة إلى المعارضة مفادها بأنه ليس اسيراً للنهضة، وذلك بدعوة الحزب الذي أسسه إلى توسيع قاعدة تحالفاته، والثالثة كانت رسالة اختبار لمعرفة ميزان القوى داخل الحزب ومدى شعبيته بين قواعده بعد الاهتزازات الكبيرة التي تعرض لها الحزب وآخرها استقالة النائب الطاهر هميلة.
القريبون من المرزوقي أكدوا أنه رجل لا يعوزه الذكاء ولا التخطيط لتصريحاته رغم ما يريد ترويجه عن نفسه كسياسي عفوي وشعبي لا يلتزم كثيراً بالبروتوكول، وأشاروا إلى أن المرزوقي فهم أن النهضة ستتخلى عنه في الانتخابات المقبلة، وأنه لن يكون مرشحها، وقد تعوضه بصديقه اللدود مصطفى بن جعفر، كما أنه يعرف قبل غيره لاطلاعه على التقارير الأمنية أن شعبية النهضة في تراجع، وأن الاحتقان الشعبي في تزايد بسبب اداء حكومة الترويكا، وبالتالي فالأسلم له أن يقفز مبكراً من السفينة وذلك باعلان التباين مع النهضة واتهامها بما كان يعيبه على النظام السابق، وفي ذلك استثمار ذكي وتوجيه للغضب الشعبي إلى النهضة وتوظيفه في رصيده السياسي. لكن كيف فهمت رسائله؟
لقد بدا واضحاً أن قيادة حزبه اصبحت اقرب إلى النهضة، ويبدو أن وزير املاك الدولة بادر إلى الاعتذار لرئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، الذي قال في خطابه إن موقف الرئيس لا يلزم حزب المؤتمر!
اما المعارضة، رغم تنويهها بصراحة المرزوقي، فقد رأى اغلب قادتها مثل نجيب الشابي وسمير الطيب أن تصريحه جاء متأخراً وهو ليس اكثر من بداية حملة انتخابية قبل اوانها.
خسر إذن المرزوقي قواعد حزبه المصرة على التحالف مع النهضة وخسر المعارضة التي حسمت تحالفاتها، لكن عينه تبقى دائماً على الشعب، الذي يبقى له القول الفصل في الانتخابات الرئاسية، وهو الرصيد الوحيد للرئيس المؤقت الذي يريد رئاسة بصلاحيات كاملة هذه المرة. فهل ينجح في استعادة شعبيته التي تضررت من تحالفه مع النهضة عبر تبرير خيارات الحكومة وتجريم المبدعين مثلما حدث في معرض العبدلية؟