الخرطوم | بينما يستعد ممثلون عن الخرطوم وجوبا، إلى جانب الوسطاء الأفارقة، للدخول في جولة مفاوضات جديدة تُعَدّ الأخيرة والأكثر تعقيداً، تتجه أنظار المراقبين صوب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي من المقرر أن تستضيف الجولة الحاسمة من مفاوضات القضايا العالقة بين البلدين في محوري الأمن والاقتصاد. كذلك ستشمل ملف أبيي، الذي أبعدته الحرب التي اندلعت بين السودان وجنوب السودان في منطقة هجليج النفطية أواخر آذار الماضي، عن دائرة الضوء نسبياً. السودان يدخل الجولة، التي ينتظر أن تنطلق بين السادس والعشرين والثامن والعشرين من الشهر الحالي، وأمامه قضية الحدود المختلف عليها بين البلدين، وبشكل أكثر دقة الأربعة عشر ميلاً جنوبي بحر العرب بين ولاية غرب دارفور السودانية ومقاطعة غرب بحر الغزال في جنوب السودان. وهذه المنطقة هي العقدة التي تقف أمام التوصل إلى حل منتظر لترسيم الحدود. وتتمسك الخرطوم بعدم تنازلها عن تلك المساحة، التي نزعتها خريطة الاتحاد الأفريقي التوفيقية من حدود السودان. وتساهم التوازنات القبلية في المنطقة في جعل موقف الخرطوم أكثر تشدداً وعدم منحها أي فرصة للتنازل، لأن المنطقة تمثل مسرحاً رعوياً لقبائل المسيرية في موسم الجفاف. هذه القبائل لها شأنها العسكري قبل الاقتصادي، الذي يمكّنها من ليّ ذراع الخرطوم بفواتير تدفعها تلك المجموعات إنابةً عن الحكومة في جبهات أخرى من بينها دارفور. وهذه هي العقبة الأكبر أمام أي تقدم ينتظر في ملف الحدود، ما لم تحدث معجزة سياسية في الجولة المنتظرة، تحل الأزمة التي يرتبط بها ملف الأمن بمسألة الحدود.
أما جنوب السودان، فيدخل الجولة التفاوضية متوقعاً تليين مواقف الخرطوم وملوحاً بجزرته الاقتصادية التي تسمح له بتقديم عرض أفضل حال صياغة اتفاق نهائي بشأن ملف النفط في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعانيه الخرطوم، بعدما فقدت 75 في المئة من مواردها النفطية بسبب انفصال جنوب السودان. وتسمح هذه الجزرة لجوبا بمد مساحة المناورة في ما يتعلق بالأربعة عشر ميلاً، التي تراها جوبا أيضاً منطقة استراتيجية لن تتنازل عنها وهددت بترحيل الملف بسببها إلى مجلس الأمن الدولي.
ويرى الصحافي أحمد دقش، رئيس القسم السياسي في صحيفة «السوداني»، أن «الجولة المقبلة تكتسب أهميتها في كون الطرفين يدخلانها وهما يتشبثان بأي بارقة أمل في الحل بسبب الضغوط الاقتصادية والأمنية التي يعيشانها». ويتسق حديث دقش مع رغبة جوبا والخرطوم في إنجاز حل عاجل لخلافاتهما في ظل حالة الترنح الاقتصادي وشح النقد الأجنبي بسبب غياب واردات النفط عن السودان بعد الانفصال وانقطاعها عن جنوب السودان نتيجة وقف ضخ النفط. ويؤكد دقش لـ«الأخبار» أن «النقطة الاقتصادية، بإمكانها مساعدة الوسطاء بصورة أكبر من تلك التي حملتها عصا القرار الأممي 2046». ونص قرار مجلس الأمن الدولي على النظر في خيارات متعددة للتعامل مع البلدين حال إخفاقهما في تجاوز خلافاتهما بحلول الثاني من الشهر الحالي قبل أن تمدد المهلة. ومن بين تلك الخيارات الفصل السابع من الميثاق الأممي، الذي يتيح للأمم المتحدة حماية المدنيين بالقوة العسكرية حال تعرضهم لخطر. لكن التقدم النسبي الذي أعلنته الوساطة في ملف الأمن أدى إلى منح الخرطوم وجوبا فرصة إضافية للتفاوض، تنتهي في الثاني والعشرين من أيلول المقبل. ويجب على البلدين أن يحلا فيه كافة قضاياهما الخلافية، وهو ما دفع الاتحاد الأفريقي إلى الحديث عن إمكانية لقاء قمة يجمع الرئيس السوداني عمر البشير، بنظيره في جنوب السودان سلفاكير ميارديت، يوقعان خلاله اتفاقاً شاملاً لكل القضايا الخلافية قبل انتهاء مهلة مجلس الأمن الجديدة.