الجزائر | لم تقشع عودة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للنشاط، بعد الاختفاء شهراً، الضباب عن سياسة البلاد، ولم تنفض الغبار عن الملفات التي تنتظر الحسم، وفي مقدمتها تأليف الحكومة. فقد ظلت الامور على حالها بعد اسبوع من اول ظهور علني لبوتفليقة بمناسبة إحياء ليلة القدر، في الجامع الكبير وسط مدينة الجزائر، ثم الظهور الثاني في المكان نفسه في صلاة عيد الفطر. وفعلت الشائعة و«أخبار الرصيف» فَعلتها في الجزائريين هذا الصيف اكثر من العادة، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي اخباراً عن وجود بوتفليقة في عطلة في مدينة لوزان السويسرية، في وقت اتخذ فيه القضاء السويسري قراراً بملاحقة وزير الدفاع الجزائري الأسبق، اللواء خالد نزار، بتهمة ارتكاب جرائم التعذيب والاختطاف بحق جزائريين معارضين خلال الازمة الأمنية في تسعينيات القرن الماضي. وأفادت اخبار اخرى أنه كان في لوزان لإقناع المعارض التاريخي حسين آيت أحمد بالانضمام إلى حكومة ائتلاف ستتألف من احزاب السلطة التقليدية الفائزة بالانتخابات التشريعية الاخيرة. وذكرت هذه الانباء أن بوتفليقة يريد حكومة ذات صدقية، يشارك فيها اكبر حزب معارض في البلاد لم يسبق له ان شغل مناصب رسمية.
وانتشرت المخاوف من اندلاع «حرب عصب» داخل جهاز الحكم، ونزولها إلى الشارع في شكل مواجهات، في ظل غياب بوتفليقة دون اعلان السبب ولا مكان اقامته، وغياب اي حديث عن تأليف حكومة جديدة كما جرت العادة غداة كل انتخابات برلمانية. وتردد أن انقطاع الماء والكهرباء المتكرر عن بعض المناطق يراد منه اثارة الناس، لتبرير تنفيذ اجندات سياسية في ظل هذا الصراع الداخلي، وتصفية الحسابات بين اطراف مختلفة، في ما بينها داخل السلطة.
وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف الاخبار التي تثير الهلع، مثل مشاورات خارجية لادراج الجزائر على قائمة «الربيع العربي» قبل نهاية هذا العام، من خلال تنظيم مجموعات من عصيان للمواطنين يليها ضغط خارجي يدفع البلاد إلى عواقب غير معروفة.
«هيجان الخواطر» في اوساط عامة الجزائريين يقابله، على ما يبدو، تجاهل تام من الجهات الرسمية، حتى إن الشائعات و «أخبار الرصيف» تبدو كما لو كانت واقعاً، وكما لو كان الاتجاه إلى «القيامة» امراً محتوماً. فخلال ما يزيد على ثلاثة اشهر عاش الجزائريون الغموض التام في كل القطاعات، وحتى وسائل الاعلام صارت تعتمد اخباراً قديمة يجري تحديثها بتعليقات غامضة ايضاً في كثير من الاحيان، وهو دليل على غياب المصادر.
كذلك يهاجم الاسلاميون السلطة وقراراتها السابقة، وغياب قرارات حالياً، وفي ذات الوقت يلهثون وراء ايجاد مقعد احتياط في حكومة يستعجلون تأليفها. ويتهمون حزبي جبهة التحرير، الذي يرأسه شرفياً بوتفليقة، والتجمع الديموقراطي، الذي يتزعمه الوزير الاول احمد اويحيى، بالخروج عن التقليد، وتعطيل تأليف الحكومة إلى حين إنهاء خلافاتهما الداخلية لتكريس سيطرتهما.
وتسربت في الايام الاخيرة معلومات تقول إن قائمة الحكومة الجديدة على طاولة الرئيس بوتفليقة، وإن رأسها لن يكون لا من الجبهة ولا من التجمع، ورشح أن الوزير الاول المقبل هو وزير الموارد المائية الحالي عبد المالك سلال، التكنوقراطي الذي سبق له أن حمل حقيبة الداخلية، وقبلها كان سفيراً في حكومات ما قبل بوتفليقة. ورشح ايضاً أن وزارات السيادة ستغير رؤوسها، بعدما سيطر عليها وزراء من ولاية تلمسان، التي ينحدر منها الرئيس بوتفليقة. والى حين ثبوت هذه المعلومات وانقشاع الضباب، يبقى الجزائريون مشدودين للتوقعات والتكهنات، ويتلقفون الشائعات وأنصاف الاخبار، وربما «قراءة الكف». قبل أيام من انطلاق الموسم الاجتماعي الجديد.