طرابلس | يشغل قانون العزل السياسي حيزاً من الفراغ الليبي، إذ بعد أن صوّت أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في أولى جلساته في 9 آب الجاري على قانون يمنع مزدوجي الجنسية وأزواج الأجانب من تولي رئاسة المؤتمر، يجد النواب الليبيون اليوم أنفسهم أمام تحدّ آخر يصفه البعض بالكارثي على مستقبل البلاد، ويتمثّل بقانون العزل أو كما يسميه البعض «اجتثاث القذاذفة»، تيمناً باجتثثاث البعث في العراق، الذي كان أحد اسباب الويلات التي أصابت بلاد الرافدين. وفيما يتوقع أن يتضمن دستور البلاد الدائم الشرط المتعلق باستبعاد كل من تورط في دعم النظام السابق، يرى البعض حتمية التصويت على هذا القانون لاجتثاث رؤوس الفساد في ليبيا. وفي الوقت نفسه، يتساءل آخرون عن جدوى هذا القانون بعد تولي وزير عدل القذافي المستشار مصطفى عبد الجليل، رئاسة المجلس الذي حكم البلاد نحو عام ونصف العام خلال فترة مفصلية.
وسط هذا الاختلاف في وجهات النظر يجد الشارع الليبي نفسه في حيرة من أمره، فالمعارضون يرون أن قانون العزل السياسي هو أحد أهم أسباب انهيار المنظومة الأمنية والدفاعية والاقتصادية في العراق، وأنه أيضاً حرم العراقيين من الاستفادة من خبرة كوادره على أساس أنهم الأدرى بشؤون البلاد عامة.
أمّا مؤيدو القانون المطالبون بضرورة تطبيقه، فيتساءلون «كيف لزمرة ارتضت أن تعمل في منظومة فاسدة أدى تغاضيها عن مزاجية العقيد (الراحل معمر القذافي) القاتلة، الوصول إلى هذه المرحلة من دمار البنية المؤسساتية في ليبيا، أن تعمل وفق قوانين صارمة؟ وأي خبرة أصلاً تكتسبها غير تلقي الأوامر؟».
ويستند معارضو القانون إلى التجربة المصرية، فالقضاء المصري سمح للفريق أحمد شفيق في 14حزيران الماضي من الدخول إلى جولة إعادة الانتخابات المصرية، فأنصفه القضاء وأسقطه الشعب بفارق ضئيل، مما يعني أن نسبة كبيرة من المصريين ضد العزل السياسي. وهذا ما يعوّل عليه معارضو إصدار القانون في ليبيا، حيث يرون أن 10 سنوات من العزل السياسي لكل من تولى مناصب قيادية شأنه ان يوقع البلاد في انزلاق يصعب الخروج منه لاحقاً، على غرار التجربة العراقية.
وقد يؤدي هذا القانون إلى اختفاء البيانات المعلوماتية للاستثمارات الليبية المُقدّرة بمليارات الدولارات، والتي يجهل تفاصيلها الساسة الجدد ولا يعلم عنها سوى مسؤولي نظام القذافي وحدهم.
ويرى الكاتب إسماعيل القريتلي، في حديث لـ«الأخبار»، أن «العزل السياسي ليس اجتثاثاً، كما يتصور البعض، بل هو تسهيل التحول والتغير الاجتماعي الناتج ضرورة من الثورة المسلحة. فالثورة هي آخر الحلول المستخدمة للخروج من عنق الزجاجة التي وضع نظام القذافي ليبيا فيه مدة 42 سنة ولم تفلح أي محاولة للإصلاح». يضيف «ندرك أن القذافي حكم ليبيا عبر شبكة واسعة من العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ولا يتوقع لهذه الفئات التي دعمت الاستبداد والانفراد أن تساهم في بناء ليبيا جديدة بعيد عن ذلك الماضي المستبد».
ويؤكد القريتلي أن «إصدار قانون للعزل السياسي هو أولى الخطوات نحو تحقيق نتائج ثورة الشعب الليبي، حتى المنشقون يجب أن يبتعدوا عن الحياة السياسية لأن الانشقاق لا يمكن أن يقود الى تغيير في جذورهم الفكرية والثقافية، بل يمنحهم الانشقاق حصانة من ماضيهم مع القذافي. إلا إذا كانوا قد اقترفوا جرائم مباشرة من قتل ونهب وانتهاك للأعراض».
توافق الناشطة غيداء التواتي، في حديثها مع «الأخبار»، القريتلي، وترى أن العزل السياسي مرتبط ارتباطاً كليّاً بمحاكمات النظام السابق، «فأهداف العزل ليست فقط تنظيف المؤسسات من بقايا البنية المتهالكة التي كان يستند إليها نظام العقيد في أفعاله، بل لا بد من ضمان استبعاد كل من عمل معه من العملية السياسية الوطنية». وتضيف أنه يجب النظر إلى العزل السياسي في صورة أكبر، كوسيلة لعقاب أعوان النظام السابق على صمتهم الطويل على نظام العقيد الديكتاتوري ودعمهم له بالعمل معه مع معرفتهم بدمويته.
وتشير التواتي الى أن «العزل السياسي يكفل توفير قدر من العدالة للضحايا ويُمَكنها من الشعور بكرامتها. كما يساهم أيضاً في تعزيز ثقة المواطنين في الدولة الحديثة، حيث إن غالبية المواطنين يبدون عدم ثقتهم بمؤسسات الدولة في ظل أزلام النظام الاستبدادي». وتخلص الناشطة الليبية الى أن العزل السياسي هو «جزء لا يتجزأ من العدالة الانتقالية التي من المفترض أن تنصف الضحايا من جلاديهم».
أما الحقوقي عبد السلام المسماري فيقول إن قانون العزل السياسي وقانون هيئة النزاهة والوطنية ومثيلاتها، هي قوانين ينتظمها فكر إقصائي يحاول إعادة إنتاج نظام سياسي شمولي بإطلاق عناوين برّاقة لمشاريع قوانين. ويصف هذه العناوين بأنها «كلمة حق يراد بها باطل، هذا الباطل يكمن في خلق قنوات وصاية على إرادة الشعب وخياراته».
ويرى المسماري، خلال حديثه لـ«الأخبار»، أن «هذا بالضبط تكرار لأسلوب القذافي في إطلاق الشعارات البراقة الخادعة». ويضيف أن «الشعب الليبي بعد ثورة 17 فبراير، قرر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع السري لاختيار قادته، ومن ثم الشعب حر في أن ينتخب من يشاء ممن يتوسم فيهم الكفاءة والوطنية بعيداً عن أي شكل من أشكال الوصاية أو الإقصاء».
ويخلص المسماري الى أن الهدف من طرح مسودة قانون العزل السياسي ليس عزل رموز نظام القذافي، بل إقصاء المنافسين السياسيين لإفراغ الساحة لتيار سياسي فعل نفس الشيء في الدول المجاورة. ويتابع أن «هذا ما نستخلصه من التعديل الذي تعرضت له مسودة قانون العزل باستثناء من عملوا في مكاتب ابن القذافي (سيف الاسلام). هذه تبين كيف يسعى هذا التيار السياسي إلى تفصيل مشاريع القوانين على مقاسه».
ويقول المسماري إن «الشعب الليبي يعرف جيداً الجماعة التي خرجت عن إجماع مؤتمر لندن للمعارضة الليبية، وأصدرت بياناً بذلك وانضمت إلى نظام القذافي وعملت على إطالة عمره من خلال مشروع توريث سيف القذافي المسمى بمشروع ليبيا الغد»، في إشارة واضحة منه الى تيار الإخوان المسلمين.
وفي ختام حديثه، يرى المسماري أن «من المفارقات أن قانون هيئة النزاهة والوطنية، وكذلك مسودة قانون العزل لا تُخضعان لأحكامهما الأشخاص الذين تعاملوا وما زالوا يتعاملون مع الاستخبارات الأجنبية، بل يتاح لهم المجال للترشح لتولي الوظائف القيادية في ظل ثورة فبراير، وهو ما ينافي مبادئ هذه الثورة التي استهدفت تحرير ليبيا ليس من الديكتاتورية فحسب بل من الارتهان للخارج».
أما رئيس «الهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية»، عمر الحابسي، فيرى أن الهيئة اختصاصها مُحدّد على سبيل الحصر في تطبيق معايير وردت في القانون رقم 12 لسنة 2012 بشأنها. ويشير الى أن دور الهيئة يقتصر على إقصاء من شملتهم تلك المعايير من تولي أي منصب قيادي خلال الفترة الانتقالية فقط، أي أن دور الهيئة يسري فقط خلال هذه المرحلة، وتحل بقوة القانون بعد سن الدستور بانعقاد أول جلسة للبرلمان الليبي. والهيئة لا تصدر احكاماً بالحبس أو أي عقوبة أخرى، بل يقتصر دورها على إصدار قرار بعدم انطباق معايير النزاهة والوطنية.
أما قانون العزل السياسي فهو حرمان من مزاولة العمل السياسي لمدة عشر سنوات لا يجوز خلالها لمن شملهم القانون ممارسة أي دور سياسي، واذا قاموا بذلك فقد تضمن مشروع القانون ايقاع عقوبات بالسجن الذي تزيد مدته على ثلاث سنوات والغرامة التي أقلها خمسة آلاف دينار، وتصل الى خمسة عشرة الف دينار، ولاعلاقة لهيئة النزاهة بقانون العزل السياسي لا من قريب ولا من بعيد، الا اذا نص القانون على تكليفها بتطبيقه، حسبما يقول الحاسبي.
ولا يغيب عن الاذهان ان استمرار الهيئة الآن منوط بموافقة المؤتمر الوطني العام باعتباره قد ورث السلطة التشريعية من المجلس الوطني الانتقالي ومن ثم بإمكانه متى شاء الغاء الهيئة او تعديل قانونها او تغيير اعضائها بغيرهم او افراغها من محتواها.
بالتأكيد ليس قانون العزل السياسي فقط هو ما يعد احدى أولويات البرلمان الليبي، فبخلاف قانون العزل المثير للجدل، هناك أمام أعضاء المؤتمر الوطني أولويات قصوى أخرى أهمها تشكيل اللجنة المختصة بكتابة الدستور الدائم والاستفتاء عليه، وقانون المصالحة الوطنية «مترامي الأطراف»، بالإضافة إلى الملف الأمني الخطير ومحاولة الفصل في المطالب المتزايدة بتطبيق نظام فيدرالي، وتأسيس قوة دفاعية وانتعاش اقتصادي شامل، وملف إعادة الإعمار الذي لم يسمع عنه المواطن الليبي حتى اليوم ما يُثلج صدره.



محاكمة سيف الاسلام في أيلول

أعلن المتحدث باسم المدعي العام الليبي، طه ناصر بعرة، أن محاكمة سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ستبدأ في ايلول في مدينة الزنتان، حيث هو معتقل منذ توقيفه في تشرين الثاني الماضي. وقال بعرة إن «لجنة من مكتب المدعي العام انجزت تحقيقها في الجرائم التي ارتكبها سيف الاسلام منذ بدء الثورة في 15 شباط (2011) الى حين توقيفه، وحضرت التهم التي سيوجهها اليه المدعي العام قبل تحديد موعد للمحاكمة التي ستبدأ في ايلول». واوضح بعرة ان سيف الاسلام سيحاكم في مدينة الزنتان على بعد 170 كيلومتراً جنوبي غربي طرابلس، حيث تكون المحكمة مجهزة لمثل هذه المحاكمة التي ستكون مفتوحة امام الصحافيين.
(أ ف ب)