القاهرة | المفارقة هي سيدة الموقف في ما يتعلق برؤية الأحزاب السياسية لقرض صندوق النقد المزمع أن تحصل عليه مصر خلال الأشهر القليلة المقبلة. حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، التي ينحدر منها الرئيس محمد مرسي، يعارض القرض. واللافت أن تلك المعارضة تأتي على خلفية عدم توافر المعلومات الكافية. ويقول عبد الحافظ الصاوي، عضو اللجنة الاقتصادية في حزب الحرية والعدالة، إن حزبه لا يزال يحتفظ بموقفه السابق من القرض، وفقاً لما أعلنه وقت عرض الأمر على البرلمان من قبل حكومة كمال الجنزوري.
وأوضح أن موقف جماعته مبني على «أننا لا نزال لا نعرف شيئاً عن تفاصيل البرنامج، الذي ستحصل مصر بموجبه على القرض من قبيل الإجراءات والتدابير التي ستتبع من أجل ترشيد الانفاق الحكومي، واصلاح السياسة المالية وتحصيل الضرائب المتأخرة»، وخصوصاً بعدما رُفعت قيمة القرض من 3.8 مليارات إلى 4.8 مليارات دولار. وأضاف «بعبارة أخرى الحزب لا بد أن يطلع على من سيتحمل كلفة تسديد القرض».
الا أن اللافت هو غياب الأسباب الأيديولوجية للاعتراض. ويقول عبد الحافظ الصاوي، إن الفائدة في قرض كهذا تندرج تحت القاعدة الشرعية «الضرورات تبيح المحظورات، ولا سيما في ظل ما نراه من تخلف المسلمين عن مساندة بعضهم البعض، فأموال الخليج تذهب لشراء القصور في باريس لا لمساندة فقراء جزر القمر مثلاً». وأضاف «ومن ناحية أخرى، ربما يحين الوقت لاقتراح سبل للتمويل الاسلامي على المؤسسات الدولية».
من جهته، بدا حزب «النور»، الذراع السياسية للدعوة السلفية، وهو واحد من أكثر الأحزاب الاسلامية تشدداً، أنه تجاوز على أثر العمل السياسي المباشر لأكثر من سنة ونصف سنة بعد الثورة بعضاً من تشدده. عبد الحليم الجمال، عضو لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الشورى عن الحزب، اختصر موقف حزبه المؤيد للقرض بالقول «كل قرض يولد نفعاً على المقرض في اطار معاملات الأفراد فهو ربا، أما على صعيد المؤسسات الدولية، فالأمر يختلف بطبيعة الحال لغياب أسباب التحريم، وهي تلك المتعلقة بالاستغلال». وأضاف «لو تجنبت الأمة كل المعاملات الدولية التي لا حيلة لها في تغيير طبيعتها، لأضاعت على نفسها فرصاً كبيرة».
بدوره، أكد وزير المالية في حكومة الظل في حزب الوفد الليبرالي، فخري الفقي، أن حزبه، وهو صاحب ثالث أكبر كتلة في البرلمان، يبدي توافقاً داخلياً إلى الآن على ضرورة إتمام القرض بأسرع ما يمكن. وأوضح أن «الحزب يطالب فقط بتمديد سريان البرنامج الاقتصادي للقرض إلى ثلاث سنوات بدلاً من سنة ونصف سنة ليتحول من صيغة برنامج طوارئ الى تسهيل تمويلي ممتد». ويرجح الفقي، وهو مساعد سابق للمدير التنفيذي للصندوق، أن يؤدي هذا التمديد إلى ما سماه «بدء التطرق إلى الاجراءات الهيكلية، وهي الأكثر صعوبة من قبيل التدرج في اصلاح نظام الدعم، بدءاً من تطبيق نظام الكوبونات وصولاً إلى الإلغاء الكامل مقابل رفع الأجور مثلاً».
أما مجتمع الأعمال، فأبدى ارتياحه للقرض. محلل الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار «فاروس»، هاني جنينة، تحدث عن أن «العديد من العملاء بدأوا العودة إلى السوق عبر أذون الخزانة والأسهم منذ استئناف التفاوض مع الصندوق بعد شهور من الانقطاع». وأضاف «التوقيع النهائي لا بد أنه سيعني تدفق الاستثمارات الأجنبية على المدى الأبعد في ظل ما سيعنيه القرض من الثقة في الاقتصاد المصري، وبالتالي انتهاء المخاوف من أن يلحق بقطار الافلاس بعد اليونان».
في المقابل، أصدرت الحملة الشعبية لاسقاط الديون أمس، بياناً رفضت فيه القرض «إذ لا توجد أي معلومات عن مدى احتياج الاقتصاد المصري إلى هذا الحجم الهائل من الدولارات». ومن الملاحظات التي سجلها البيان «عدم مناقشة أي البدائل أفضل للحصول عليها، ولا سيما أن الحكومة حصلت في العام الماضي على قروض خارجية تبلغ حوالى ٦ مليارات دولار، وذلك دون المرور بالقنوات الديموقراطية ومناقشتها أو التصديق على شروطها من خلال برلمان منتخب». كذلك اقترضت الحكومات المعينة من قبل العسكر من البنوك المصرية أرقاماً قياسية لم يعرف فيما أنفقت.
وأضافت الحملة «لم يوضح أي من مسؤولي الحزب (الحرية والعدالة) أو الرئاسة طبيعة هذه الاجراءات، ولا مدى اختلافها عن سياسات الإفقار التي اتبعها حسني مبارك باسم محدودي الدخل على مدى ٣٠ عاماً». وتساءل البيان «حتى الآن جرى التشديد على أن الهدف الاساسي من القرض هو سد تقليص عجز الموازنة لا العدالة الاجتماعية والتشغيل. كيف تستهدف الحكومة تقليص العجز وهي ترفع معدلات الاقتراض مما يرتب حملاً إضافياً لسداد الديون، ومن ثم ضغطاً على الموازنة».
إلا أن المعضلة السياسية لا تتوقف عند ما يثيره من المخاوف الاجتماعية المباشرة إذا قرر مرسي استخدام السلطة التشريعية في تمرير القرض قبل الانتخابات البرلمانية المزمعة. وقالت القاضية في المحكمة الدستورية العليا، تهاني الجبالي، إن «الأمر سيتجاوز بلا شك الطابع القانوني للقرض، وصولاً إلى النقاش بشأن المصالح السياسية». وترى الجبالي أن استخدام السلطة التشريعية للرئيس في تمرير القرض كأحد أشكال الاتفاقيات الدولية التي تعدّ مراقباتها من صميم أعمال المجالس التشريعية، لا بد أن يعني ضمناً عزل الشعب عن الرقابة على تلك الاتفاقيات، بخلاف ما يثيره من مخاوف تركز السلطة على نحو يجعل منها سلطة شبه مطلقة.