كان الصحافيون الغربيون قد حددوا منذ أشهر عنواناً وحيداً لقراءة مستقبل المشهد السياسي المصري على وقع سيناريوهات العلاقة بين الرئيس والمجلس العسكري (السابق). التوقعات حينها تراوحت بين استمرار التوترات بين الطرفين والتوصل الى اتفاق ضمني بين العسكر والاخوان لحكم مصر ما بعد الثورة على حساب طموحات الثوار. لكن الضربة غير المتوقعة التي نفذها مرسي باطاحة قيادات المجلس العسكري السابق والغاء الدستور المعدّل الذي يعزز صلاحيات العسكر وحصرها كلها في يد الرئيس، هو ما أدهش الجميع.

أحد الصحافيين وصف مرسي بسيارة «لامبورغيني» من حيث السرعة في «انطلاقته» السياسية. بعض المحللين حذّر من سيطرة الرئيس ومن ورائه «جماعة الاخوان المسلمين» على كل قرارات مصر الداخلية والخارجية وازاحة كل الاطراف الاخرى بما فيها العسكر، فيما لم يتوقع آخرون علاقة هادئة ومسالمة بين الرئيس والمجلس الجديد حتى بعد التعيينات الاخيرة، مشككين بولاء العسكر المطلق لمرسي.
ما الذي تعنيه اذاً خطوة مرسي الاخيرة؟ لماذا لم يقاوم طنطاوي قرار عزله؟ كيف سيتصرف باقي ضباط المجلس في المستقبل؟ هل هي الخطوة الاولى لاعادة العسكر الى ثكنهم وانتزاع حصتهم في الاقتصاد المصري؟ من سيقف في وجه النظام الآن ويحاسب؟ القضاء المصري؟ هل ستتحول مصر إسلامية بكل سلطاتها؟ ما شكل العلاقة الجديدة التي ستحاك بين واشنطن وقادة المجلس الجديد؟

«لامبورغيني»


بداية مع الـ«لامبورغيني»، وهو التشبيه الذي أطلقه المحلل مارك لينش على الرئيس مرسي في مقاله في مجلة «فورين بوليسي». لينش يعدد مجموعة الاجراءات الهامة التي اتخذها مرسي الاسبوع الماضي والتي جاءت بعد فترة من «الركود» في الحياة السياسية المصرية، حسب قوله.
لينش يقول إنه «من المبكر جداً» التنبؤ بنتائج تلك الخطوات وطبيعتها، «لكن حتى يحين الوقت للاجابة عن كل الاسئلة المعلقة سيحاول الجميع من القاهرة حتى واشنطن شق طريقهم في الضباب الكثيف الذي يحيط بمصر الآن».
لينش يقسم وجهات النظر السائدة حالياً عن الوضع المصري الى ثلاث مجموعات: الاولى التي تقول إن المجلس العسكري لا يزال يُحكم سيطرته الكاملة على الامور، وما حصل سيطيل عمر التحالف بينه وبين الاخوان بعد التخلص من رموزه القديمة. وجهة النظر الثانية، حسب الكاتب، تضمّ الخائفين من «أخونة مصر» من خلال استيلاء مرسي على القوى الديكتاتورية وتحييد معقل العلمانية المتمثل بالمجلس العسكري ووضع نفسه في موقع واضع الدستور الجديد. أما الفئة الثالثة، فهي التي ترى أن ما يجري هو الخطوات الاولى نحو الديموقراطية الحقة التي تتخلص من رموز النظام السابق وتحكم بقيادة رئيس منتخب. لينش يرى أنه ليس من بين تلك المجموعات من هو على حق مئة في المئة، ولكن كل نظرية فيها شيء من الصواب.
الكاتب الاميركي يخلص إلى أن «المعركة السياسية في مصر ستكون طويلة وهي في الأغلب ستحصل في الكواليس وليس في الشارع». لكن، من جهة اخرى، يرى لينش أن خطوتي مرسي، أي اطاحة رأس المجلس العسكري وتعيين القاضي محمد مكي نائباً للرئيس، هما خطوتان جريئتان جداً، لكنهما لم تلغيا مكامن السلطة الاساسية في السياسة المصرية، وأن مصر لا تزال بعيدة جداً عن تحولها الى «جمهورية إسلامية».
لينش يثني، رغم كل شيء، على خطوة مرسي الاخيرة. ويذكّر بأن «إزاحة رؤوس المجلس العسكري كانت أحد مطالب الثوار منذ بداية الثورة». لكن الكاتب يحذّر أيضاً من خطر سعي الاخوان المسلمين للسيطرة على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
هذا التخوف من تسلّط الاخوان المسلمين و«الحكم بالاوامر وليس بالدستور» عكسه مقال ديفيد شينكر في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى»، إذ رأى المحلل الاميركي أن «مرسي غيّر الدستور المصري بإصداره إملاءات وأوامر شخصية، وفي هذه العملية أتاح لنفسه السيطرة على الجيش وجميع السلطات التشريعية وتركيب «الجمعية التأسيسية» التي ستقوم بصياغة الدستور الجديد». شينكر يشير الى أنه «على الرغم من أن إدارة «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» للفترة الانتقالية كان غير كفؤ وغير سلس، إلا أنه كان يبدو على الأقل مبنياً على بعض المبادئ الدستورية». المحلل يستنتج أنه «إذا بقيت مناورة مرسي على ما هي عليه الآن فسوف تهدد بتقويض شرعية العملية الانتقالية الدستورية والمؤسسات الديموقراطية الوليدة في مصر».

أفضل شركاء لواشنطن

لكن سيطرة الاخوان المسلمين على معظم السلطات في البلد ليست وردية بالكامل بالنسبة إلى الاخوان، عرض ستيفن كوك في مجلة «فورين أفيرز». ميلر يشرح أن نجاح مرسي والاخوان في مختلف مراكز السلطة يجعلهم عرضة للنقد والضعف. «فعلى الاخوان الآن أن يحكموا ويديروا شؤون البلد وينتجوا ويحلوا المشاكل ويلبّوا كل الطموحات التي ظهرت بعد إسقاط نظام حسني مبارك... وهذا ليس أمراً بسيطاً في بلد كمصر» يضيف ميلر. لذا، يقول الكاتب إن الاخوان وبتحييدهم كل الاطراف الاخرى والاستيلاء على كافة السلطات في هذه المرحلة يكونون «قد وضعوا أنفسهم في أسوأ المواقف الممكنة».
«ومن سخرية القدر»، يضيف ميلر، أن الاخوان «سيجدون أنفسهم مضطرين للحفاظ على السلام مع إسرائيل من أجل جذب المستثمرين والمانحين»، كما «أن الحفاظ على أمن واستقرار سيناء سيضعهم في مواجهة مع رفاقهم الاسلاميين وتشديد الامن على الحدود مع غزة قد يخلق توتراً في العلاقات مع حماس». لذا، «سيجد الاخوان أنفسهم في النهاية وحيدين على رأس الحكم وعالقين بين أيديولوجياتهم ووقائع الحكم ومسؤولياته».
ورغم اعتراف معظم المحللين بأن لا قوة سياسية اخرى حالية قادرة على الوقوف بوجه الاخوان سياسياً وتنظيمياً وشعبياً، دعت افتتاحية «ذي واشنطن بوست» مرسي الى «عدم الانجذاب للحكم المطلق واحترام المراكز الاخرى في السلطة كما القوى العلمانية والليبيرالية المنافسة». «على مرسي أيضاً أن يتعلم تقبّل بعض الانتقادات وأن لا يلاحق ويحاكم الصحافيين المخالفين له أو للاخوان في الرأي كما فعل منذ أيام»، تضيف الصحيفة.
أما عن العلاقة مع واشنطن، فحذّرت «ذي كومنتري» من استيلاء «من يكنّون العداء لإسرائيل» على مصر، وعرض ستيفن كوك في مجلة «فورين أفيرز» لتاريخ علاقات واشنطن مع عسكر مصر الحاكمين. كوك يشير الى «حتمية اعادة هيكلة العلاقات بين الولايات المتحدة وقادة المجلس الجدد بعد الخطوة التي قام بها مرسي».
كوك يقول إن هناك «تغيراً في اتجاه بوصلة السياسة الخارجية المصرية لكن لا نعرف بعد باتجاه أي دولة سيكون». لكن الكاتب يلفت الى أن «مصر هي قوة كبيرة بحدّ ذاتها وهي لا تحتاج الى دولة راعية اخرى»، و«لعلّ التغيرات الاخيرة في صفوف المجلس العسكري تعكس الرغبة باستعادة هيبة مصر في علاقاتها الخارجية وتحقيق مكاسب كثيرة على مستوى المصالح الوطنية». «واذا كان الامر فعلاً كذلك، فإن الرئيس مرسي هو ناصري بامتياز»، يردف كوك.
«أفضل الشركاء لواشنطن في السنوات العشر القادمة هم فعلياً هؤلاء الاسلاميون اللاعنفيون في تونس والمغرب ومصر»، يحسم روبن رايت في «ذي أتلانتيك».



5 حقائق

عرض ستيفن كوك في مجلة «فورين أفيرز» ٥ حقائق عن مصر يمكن استنتاجها بعد القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي أخيراً، بنظره. الحقائق المصرية تلك هي: أن الأمور ليست بالخطورة التي تبدو عليها، وهنا يشير كارون الى امكانية أن يكون المجلس العسكري موافقاً على اطاحة المشير حسين طنطاوي وسامي عنان. لذا، يضيف الكاتب: لا يجب أن توضع خطوة مرسي في اطار انتصار الحكومة المنتخبة على العسكر. الحقيقة الثانية هي أن السلطة في مصر لا تتعلق بالشخصيات وآخر الامثلة على ذلك تنحية طنطاوي، ثالثاً، الثورة لن تكون متلفزة بعد الآن ومعظم الامور سيتفق عليها في الخفاء ولن يكون من الممكن التنبه لها مسبقاً أو القدرة على الردّ عليها لاحقاً. رابعاً، إن المؤسسات في مصر ضعيفة وتفتقد الشرعية، خامساً لا خيار أمام السياسيين المدنيين سوى حكم العسكر أو التحالف مع من يكرهون من المنافسين.