القاهرة | بعد ساعات من إعلان قرار الرئيس محمد مرسي إقالة المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع ورئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ورئيس أركان الجيش سامي عنان، أصبح التساؤل الملحّ عند الرأي العام هو: كيف مرّ الأمر بهذه البساطة؟ لماذا لم تنتفض النخبة العسكرية في مصر في مواجهة هذا التهديد لمكانتها التاريخية للمرة الأولى، بعدما أقدم أول رئيس مدني في تاريخ البلاد على إسقاط رأس المؤسسة العسكرية وإحالته على التقاعد مع رئيس أركانه؟ إلا أنّ الاجابة قد ترقد بين طيّات نصّ القرارات نفسها، التي تضمنت إقالة قائد القوات البحرية مهاب مميش، وتعيينه رئيساً للهيئة العامة لقناة السويس، وكذلك الأمر مع عبد العزيز محمد سيف الدين الذي أقيل من منصبه قائداً للدفاع الجوي ليعيّن رئيساً للهيئة العربية للتصنيع.
وبعبارة أخرى، تضمنّت قرارات مرسي، التي أطاحت بدرجة كبيرة النفوذ السياسي للمؤسسة العسكرية تكريساً لنفوذها الاقتصادي الواسع من جانب آخر، لكون مرسي لم يخرج بذلك عن التقليد المتبع منذ عقود، بإعادة تعيين القيادات المتقاعدة من الجيش في وظائف مدنية الطابع، لكن رفيعة المستوى، مقابل أجور باهظة في مؤسسات الدولة المختلفة.
وبدت مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي كأنها تتنبّأ بالامر في تقرير لها قبل أيام بعنوان «جمهورية الضباط»، وقالت إنه «على المدى البعيد، سيواجه المسؤولون المنتخبون ديموقراطياً جمهورية الضباط، المتمثّلة في شبكات عسكرية مستديمة تخترق كل فروع ومستويات إدارات الدولة والقطاعات الاقتصادية المملوكة لها. وما لَم يجري تفكيك جمهورية الضباط، فسوف تستخدم نفوذها السياسي الواسع وسيطرتها على الجيوب البيروقراطية والاقتصادية الرئيسة لمنع مرسي، أو أي رئيس بعده، من ممارسة السلطة الحقيقية، وإسقاط أي حكومة مستقبلية لا تكون على مزاجها».
وهذا ما علّق عليه أستاذ الاقتصاد في معهد التخطيط والقيادة في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ابراهيم العيسوي، قائلاً إن «مرسي لم يمسّ في قراراته الأخيرة المثيرة للجدل المصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، ربما لحساسية الأمر بالنسبة لها». كذلك شدّد على أن نشاط الجيش الاقتصادي المباشر لا يمكن أبداً احتساب نسبته الى حجم الاقتصاد المصري ككلّ، لكونه غير خاضع للرقابة وغير معلن.
وتقول «كارنيغي» التي أعدّت تقريرها بناءً على مقابلات مع ضباط متقاعدين، إنّ مكتباً خاصاً في وزارة المال يُدقِّق في حسابات القوات المسلحة والهيئات التابعة لها، وعلى الأرجح بالتنسيق مع مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، إلا أن بياناته وتقاريره لا تخضع لسيطرة أو إشراف البرلمان أو أي هيئة مدنية أخرى. ويتكوّن «الاقتصاد العسكري» من أربعة أقسام رئيسة هي: الصناعات العسكرية التي تتبع وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للدولة، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابعة لوزارة الدفاع، والمشاريع المُدِرّة للدخل الخاصة بالقوات المسلحة، بما في ذلك النوادي وعقود الأشغال العامة المدنية التي تتولاها هيئة الهندسة العسكرية.