«يديعوت أحرنوت» ــ أرييلا هوفمان في التاسع عشر من تموز 2006، بعد سبعة أيام من اندلاع حرب لبنان الثانية، نشرت صحيفة «هآرتس» رسماً كاريكاتورياً لم يكن شيء ليُعبّر عن دلالاتها الإسرائيلية أكثر مما فعل.
يظهر في الرسم رجل وامرأة في فراش المطارحة، وإلى جانبهما على سجادة صغيرة يوجد زجاجة نبيذ فارغة وكأسان مرميّتان وحمالة صدر نسائية مطروحة.
الرجل، بصدره المكشوف ومع ابتسامة مغرورة ترتسم على وجهه ويداه تشتبكان من وراء رقبته، يسأل رفيقته: «كيف كنت؟». تجيب المرأة الشقراء وفي يدها سيجارة يتصاعد منها الدخان: «زلزال».
زلزال هو صاروخ من إنتاج إيراني. صاروخ بعيد المدى يحمل رأساً انفجاريّاً يبلغ وزنه 600 كيلوغرام. وهو جزء من الترسانة الصاروخية التي تعد بالآلاف، والتي كان حزب الله يمتلكها ويخزّنها في جنوب لبنان، وتم تدميرها خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب.
الاستخبارات العسكرية والموساد شخّصا الأهداف وحدّداها، سلاح الجو نفذ الهجمات، نصر الله فوجئ، الإيرانيون غضبوا، وإسرائيل خرجت (من العملية) عظيمة. إلا أن كلمة زلزال أيضاً في اللغة العربية هي كلمة رديفة للهزة الأرضية.
اليوم، في الثاني عشر من تموز عام 2012، بعد ستة أعوام بالضبط من اندلاع الحرب نفسها، أصبح واضحاً أننا وإن كنا نبدو في الأسبوع الأول منها شبيهين بالزلزال في شموخنا وأبهتنا، فإنه، بعد 33 يوماً من الحرب، لم يبق من المجد والكبرياء شيء، باستثناء، ربما، بعض وحدات الجيش المُحطّمة، بعض الجنود المتروكين من دون طعام وماء، ومع لائحة طويلة ولا ضرورة لها من أسماء الموتى من المدنيين والعسكريين. لماذا هناك أهمية كبيرة للتمييز بين ذاك الزلزال المجازي في الأسبوع الأول من الحرب والمهزلة التي انتهت الحرب بها؟ لأن كل من يمجد نتائج الحرب ويُجملها _ بفعل سنوات الهدوء الست التي خلفتها _ ينبغي عليه، من أجل الإنصاف التاريخي، أن يكون واعياً لهذا التمييز. حتى لو كان صحيحاً أن الحروب، دائماً وأبداً، ليست مصنوعة من نسيج واحد متجانس من الأفعال والأنشطة، المطلوب إجراء هذا التمييز، والتعلم منه الدروس والعبر اللازمة، من أجل أن نضمن، أو نحاول أن نضمن على الأقل، أن تكون الأمور مغايرة في المرة المقبلة.
بعد مرور ستة أعوام، ليست حرب لبنان الثانية فقط الهدوء الذي حل منذئذ، واختفاء (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله في خندقه، كما لخص الأمر رئيس الأركان الذي فشل فيها، دان حالوتس، في كتابه الذي نشره «على مستوى الأعين». بعد ستة أعوام، الحرب أيضاً كانت تفويتاً ضخماً لفرصة، وهي أيضاً نموذج سيّئ للتبجّح وقصر النظر.
حربٌ تحولت إلى مثال على الإدارة الفاشلة التي قد تكون أنزلت ضربة قاصمة على رأس حزب الله وأفضت إلى ستة أعوام من الهدوء، إلا أنها أنتجت أيضاً عدواً مرّاً، مُسلّحاً حتى عنقه، مع قدرات تضاعفت تضاعفاً كبيراً إلى حد أن القائدين السابقين للمنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرالان غادي آيزنكوت ويائير غولان، كل في دوره، وجدا من من المناسب ليس فقط أن يحذّرا من حرب لبنان ثالثة، بل أيضاً أن يوضحا إلى أي مدى سيكون الرد الإسرائيلي مدمّراً، وأن الحرب ستكون مُتفلّتة إلى درجة أن تقرير غولدستون سيبدو مثل إعلانات الخدمة التي تنشرها وزارة الإعلام.
لقد كان لهذه الحرب ثلاثة آباء. ليته كان لها أيضاً «أربع أمهات» (الحركة الاجتماعية التي قادت ضغطاً شعبياً للانسحاب من لبنان عام 2000). رئيس الأركان دان حالوتس، وزير الدفاع عامير بيريتس، ورئيس الحكومة إيهود أولمرت.
الأخير، الذي صودف أن تزامنت تبرئته القضائية في إحدى قضايا الفساد التي تلاحقه مع الذكرى السادسة للحرب، يصفه أصدقاؤه والمقرّبون منه بأنه أفضل رئيس وزراء لإسرائيل منذ دافيد بن غوريون. ويتمنى هؤلاء أن يعود ليتزعّم الدولة، ويقودها إلى المزيد من العمليات التي سيكون بوسع المصادر الأجنبية فقط نشر خبرها.
من شبه المؤكد أن ذلك لن يحصل. ليس في حالة دان حالوتس الذي أعادته طبخاته السياسية المخبوصة إلى نقطة البداية، أي إلى حالة التردّي التي انطلق منها. رجل يبحث عن حزب. ولن يحصل ذلك أيضاً لعامير بيريتس، رغم مجد «القبة الحديدية» التي يفاخر بأنه كان المسؤول عن قرار تطويرها. ولن يحصل أيضاً لإيهود أولمرت. فالمسألة ليست مسألة قضائية.
وخلافاً لقضايا الفساد التي تلاحقه، المسألة هنا هي مسألة رأي عام. المسألة مسألة وصمة لا يوجد لها اسم في كتاب القوانين، إلا أنه يوجد لها لون في صناديق الاقتراع، ومن الصعب القفز فوقها إلى وسط الخريطة. ذلك أن هذا ما تراه الأعين في مستواها بعد انقضاء ستة أعوام على الحرب: هدوء مهدَّد على الحدود الشمالية. ألم لا ينتهي على قتلانا. ويد القدر التي تهزأ بمن قادنا إليها.