القاهرة | بينما كانت أنظار المصريين مركّزة على سيناء لمتابعة تفاصيل العملية العسكرية، الأولى من نوعها، التي يشنها الجيش المصري على الحدود مع إسرائيل منذ 1973، أعاد الرئيس المصري الحدث إلى قلب العاصمة، بعدما فاجأ الجميع بإصدار قرارات إحالة المجلس العسكري وقيادته إلى التقاعد، بما سمح له بإحكام قبضته على جميع السلطات في البلاد.
القرارات التي اتخذها مرسي شملت إحالة رئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان في الجيش الفريق سامي عنان إلى التقاعد وتعيينهما مستشارين له، ومنحهما قلادة النيل أحد أعلى الأوسمة في البلاد. وشمل القرار إقالة قادة الفروع بالمؤسسة العسكرية وتعيينهم في مناصب جديدة، إذ أحال ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري الى التقاعد، لكنه عينهم في مناصب أخرى مدنية، وهم: الفريق مهاب محمد حسين ميمش قائد القوات البحرية الذي أصبح رئيساً منتدباً لمجلس إدارة هيئة قناة السويس، والفريق عبد العزيز محمد سيف الدين الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع. أما الفريق رضا محمود حافظ عبد المجيد، فعين في منصب وزير دولة للإنتاج الحربي، فيما عيّن اللواء محمد سعيد العصار مساعداً لوزير الدفاع، ومحمود مكي نائباً لرئيس الجمهورية.
لكن قرارات مرسي لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أصدر قراراً بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، الذي كان يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة صلاحيات واسعة، تقيد رئيس الجمهورية بعدما كان يعطي الجيش سلطات واسعة، وخصوصاً في مجال السلطة التشريعية. وتضمن قرار مرسي أن تتم الدعوة إلى انتخاب البرلمان عقب إقرار الدستور المصري بشهرين.
هذه القرارات بالتغييرات الكبيرة بين قادة المؤسسة العسكرية، التي أصدرها مرسي، أمس، صنعت جدلاً كبيراً في الشارع المصري فور الإعلان عنها، فيما سعى الرئيس إلى التخفيف من حالة الإرباك التي أحدثتها. وقال، في كلمة ألقاها في احتفال ديني بمناسبة ليلة القدر، إن القرارات بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة قيادات الجيش العليا إلى التقاعد ليست موجهة ضد أشخاص أو لإحراج مؤسسات. وأضاف «ما قصدت بقراراتي أن أطغى على أحد أو أوجه إهانة إلى أحد، إنما أردت ضخ دماء جديدة وهمماً جديدة، وأريد أن أخبركم بأن في مصر رجالاً في الجيش والشرطة يحمون مصر، وهم في قلبي وبين يدي حريص عليهم، وسنمضي معاً لتنهض الأمة». وطالب مرسي الشعب بأن «يعينه بقوة حتى تنهض الأمة»، مؤكداً أنه «يتخذ إجراءات من شأنها وضع اليد على مناطق النزف ووقف الفساد». وشدد على أنه لا مجال لترك المسؤولية.
من جهةٍ ثانية، تعهد الرئيس المصري بسحق المتشددين الذين يهاجمون مواقع للجيش والشرطة في شبه جزيرة سيناء، مشدداً على أنه «سنلاحقهم حتى ننتهي منهم».
وجاءت تصريحات مرسي بينما كانت الترجيحات حول خلفيات قراراته تتحدث عن احتمالين لا ثالث لهما. فإما أن يكون مرسي قد اتخذ مثل هذه القرارات منفرداً، وبالتالي على المصريين ترقب إمكان وقوع انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب بعدما «انقلب الإخوان على العسكر»، وإما أن تلك القرارات ما هي إلا اتفاق لسيناريو الخروج الآمن لطنطاوي وعنان. وهو السيناريو الذي لفتت إليه قيادات في جماعة الإخوان المسلمين قبل وصول مرشحهم إلى منصب رئاسة الجمهورية. ويبدو أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى أرض الواقع بعدما صرح أمس عضو المجلس الأعلى للمجلس العسكري، ال

واء محمد سعيد العصار، والذي حسب القرار الجديد أصبح مساعداً لوزير الدفاع، بأن قرارات مرسي تمت بالاتفاق بين أعضاء المجلس العسكري ورئيس الجمهورية. وما يؤكد أن القرارات الجديدة ليست انقلاباً إخوانياً، كما يتصور البعض، تلك الأوسمة التي منحها مرسي للمتقاعدين الجدد، وتعيينهم في دوائر قريبة منه شخصياً، بما ينفي تماماً الحديث عن إمكان محاكمتهم على التهم التي ينسبها قطاع عريض من الثوار إليهم طوال فترة قيادتهم للفترة الانتقالية بعد سقوط نظام حسني مبارك.
بدورها، بدت جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيماً على الساحة السياسية، مطمئنة إلى عدم إمكان وقوع انقلاب عسكري من قبل أي طرف في الجيش رداً على قرارات مرسي، وخصوصاً أن الجماعة كانت لتصبح أولى ضحاياه بطبيعة الحال.
ورأى عضو مكتب الإرشاد مصطفى الغنيمي، في حديث مع «الأخبار»، أن «رئيساً منتخباً كمرسي بالتأكيد يحوز من الأغلبية الشعبية ما يستند إليه وقت اتخاذ قرارات بهذه الأهمية، كون انتخابه جرى بعد الثورة، ما يعني بدوره أن أي انقلاب عليه سيعد من قبيل الانقلاب على إرادة الشعب وثورته، وهو ما لا أظن الشعب ليتركه يمر أبداً، ولا سيما أن تلك القرارات جاءت في لحظة تشهد غضباً واسع النطاق في الشارع المصري على التقصير الأمني والعسكري الواضح الذي سمح بهجوم رفح، الذي أودى بكل تلك الخسائر الفادحة في أرواح المصريين».
ورداً على التساؤلات التي أثارها قرار مرسي، وما سيتسبب به من إفلات طنطاوي وباقي أعضاء المجلس الأعلى العسكري من المساءلة عن أحداث القتل التي ارتكبها الجيش في الفترة الانتقالية، أوضح عضو مكتب الإرشاد في الجماعة أن «الأمر يعتمد على وجود دلائل دامغة على مسؤولية أعضاء في المجلس العسكري عن تلك الجرائم من عدمه». وأوضح أن هذا الأمر «لا يمكن مواجهته إلا بالطرق القانونية وحدها».
من جهته، وصف نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، قرارات مرسي بأنها شجاعة وتصب في طريق تحقيق مطالب الثورة. وقال في تغريدة له عبر موقع «تويتر»: «أدى الرئيس واجبه السيادي، وحقق مطالب الثورة، وعلى كل ثوري أن يساند الرئيس لمنع أي محاوﻻت ضد الثورة. هذه هي الموجة الثانية لثورة الشعب المصري». وأضاف «قرارات رئاسية شجاعة أحبطت مخططات الثورة المضادة، وفضحت الطرف الثالث الذي يعمل على إعاقة مسيرة التحول الديموقراطي لشعب مصر».
اطمئنان الجماعة لم ينسحب على باقي الشارع المصري، ولا سيما أن مؤسسة الرئاسة، وخلال الساعات الأولى لصدور القرار لم تقدم أي إيضاحات حول خلفيات القرار الذي اتخذه مرسي، ولم تحدد ما إذا كانت هناك علاقة بين القرارات الجديدة، والأحداث التي وقعت على الحدود المصرية بمدينة رفح، وهو الغموض نفسه الذي صاحب قرار مرسي الأسبوع الماضي بإقالة مدير جهاز الاستخبارات اللواء مراد موافي، رغم تصريحات الأخير بأنه أبلغ الجهات المسؤولة في الدولة عن تحركات في سيناء قد تؤدي إلي عملية إرهابية.
ويرى فريق من الشارع المصري أن قرارات مرسي بقدر ما هي قرارات ثورية، إلا أنها قد تكون تمت بمباركة قطرية أميركية، ولا سيما أن القرارات تم الإعلان عنها بعد يوم واحد من لقاء مرسي بأمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني والإعلان عن وديعة مالية بمبلغ 2 مليار دولار وضعها الجانب القطري في البنك المركزي المصري. لكن بعيداً عن تلك النظرية التآمرية، يبقى أن قرار مرسي هو الأفضل منذ توليه منصبه الجديد، ويرسم به خريطة جديدة لعلاقة العسكر بالحكم في الفترة المقبلة، ويحجّم به في الوقت ذاته سلطات العسكر.