باريس ــ نيويورك | كشفت مصادر دبلوماسية، في نيويورك، أول من أمس، أن الأمين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون، وقع اختياره على الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لخلافة كوفي أنان. وإذا وافق هذا الأخير على تولي المهمة، يُرتقب الإعلان رسمياً عن تكليفه في مطلع الأسبوع المقبل. واعتذر الأخضر الإبراهيمي عن الإدلاء بأي تصريح في هذا الشأن في الوقت الحالي. لكن مقربين منه قالوا لـ«الأخبار» إنه «لا يزال يفكّر في الأمر، ولم يحسم قراره نهائياً». وأضافت المصادر إن الإبراهيمي «يريد تفويضاً قوياً من مجلس الأمن، والتزاماً واضحاً من الدول الأعضاء بدعم مساعي الوساطة الأممية في سوريا، لتفادي الوصول إلى الطريق المسدود الذي انتهى إليه خلفه كوفي أنان».
وكان الأخضر الإبراهيمي قد تقاعد من المنظمة الأممية منذ عام 2005. ورفض في السنوات الأخيرة مقترحات عدة بتولي مناصب وزارية في بلاده، متذرعاً بأسباب صحية. لكن ذلك لم يمنعه من قبول بعض المهمات المؤقتة لحساب المنظمة الأممية، ومن أبرزها تكليفه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالإشراف على تحقيق دولي حول التفجير الذي استهدف مقر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الجزائر، يوم 11 كانون الأول عام 2007. وخلال السنوات الخمس الأخيرة، اقتصرت نشاطات الأخضر الإبراهيمي على عضوية «لجنة الحكماء» الدولية، التي تعنى بمعالجة بؤر التوتر والنزاعات عبر العالم، والتي تضم بين أعضائها الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وكان من أعضائها، أيضاً، الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بلة.
وأصدرت اللجنة، أمس، بياناً على لسان الأخضر الإبراهيمي دعا فيه الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى «الإجماع على موقف موحد من الأزمة السورية». لكن البيان لم يشر بصراحة إلى ترشيح الإبراهيمي لخلافة أنان، ولم يتطرق إلى مدى استعداده قبول هذه المهمة الشائكة، وطبيعة الشروط التي سيطرحها على المنظمة الأممية. وجاء في البيان أن «ملايين السوريين يريدون السلام، وليس بإمكان قادة العالم أن يظلوا منقسمين لفترة أطول، متجاهلين دعواتهم». وتابع: «على السوريين أن يجتمعوا معاً كأمة واحدة من أجل التوصل إلى صيغة توافقية جديدة. هذا هو السبيل الوحيد لتمكين جميع السوريين من العيش معاً بسلام في مجتمع لا يقوم على الخوف والانتقام، بل على التسامح». وتضمن بيان لجنة الحكماء تصريحات للرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتيساري، الذي طرح اسمه، أيضاً، خليفة محتملاً لأنان.
وبالرغم من تقدمه في العمر (78 سنة )، فإن الأوساط الدبلوماسية الدولية أجمعت على أن الأخضر الإبراهيمي هو «الشخصية الأمثل لخلافة كوفي أنان»، وذلك لخبرته الواسعة في مساعي الوساطة في العديد من النزاعات والحروب عبر العالم. كما أنه ليس غريباً عن سوريا، فأول مهمة وساطة دولية أُسندت له تمثلت في مصالحة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس السوري حافظ الأسد، سنة 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. كان الإبراهيمي آنذاك، مستشاراً دبلوماسياً للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وخوّله نجاحه في تلك الوساطة الالتحاق بالجامعة العربية أميناً عاماً مساعداً (1984 ـ 1991). وترأس عام 1989 «اللجنة الثلاثية» التي توّلت نزع فتيل الحرب الأهلية اللبنانية، وتكلّلت جهودها بتوقيع «اتفاق الطائف». وبعدما تولى منصب وزير خارجية الجزائر (1991 ـ 1992)، التحق بمنظمة الأمم المتحدة منسقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، الذي عُقد في ريو دي جانيرو، سنة 1992. وفي السنة التالية، بدأ مشواره الطويل مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة في العديد من الدول التي شهدت نزاعات أو حروباً أهلية. بداية في جنوب أفريقيا الخارجة من «الأبارتهيد» (1993 ـ 1994)، ثم هايتي (1994 ـ 1996). وبعدها عُيِّن مبعوثاً أممياً في أفغانستان مرتين، من 1997 إلى 1999، ثم بعد إطاحة «طالبان» عام 2001، وصولاً إلى العراق التي عُينّ مبعوثاً أممياً فيها بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.
بذلك يدرك الأخضر الإبراهيمي، أكثر من غيره، حدود الدبلوماسية الأممية ومواطن الضعف فيها. ما يفسّر، بلا شك، اشتراطه تفويضاً بالإجماع من مجلس الأمن، لمنح وساطته المرتقبة في سوريا ثقلاً فعلياً في مواجهة أطروحات التدخل العسكري، التي تسعى إلى تعطيل أي تسوية سلمية ممكنة للأزمة السورية.
وأعرب دبلوماسيون، طلبوا عدم ذكر اسمهم، عن ثقتهم بأن المبعوث الجديد «سيكون الإبراهيمي»، مؤكدين أنه «خيار الأمين العام للأمم المتحدة» بان كي مون. غير أن هذا الخيار دونه عقبات، فقد ذكرت مصادر لـ«الأخبار» أن هناك تحفظات على الإبراهيمي من عدد من الدول. إذ تتحفظ دمشق، أيضاً على تعيينه، وترى أن الإبراهيمي سيمثل التفافاً على معارضتها لدور تؤديه جامعة الدول العربية في الأزمة السورية. هذا الدور رفضته دمشق بشدة في السابق، ورفضت على مدى ثلاثة أشهر زيارة ناصر القدوة، نائب كوفي أنان، لدمشق بالرغم من كل الانتقادات الدولية لها، بما في ذلك انتقادات مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، عقد اجتماع بين مندوب سوريا بشار الجعفري ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤن السياسية جيفري فيلتمان تناول موضوع البديل لكوفي أنان وولاية بعثة المراقبة الدولية «أونسميس» في المرحلة المقبلة، لكن من دون تسمية مبعوث دولي بعينه.
الجعفري أخذ على الأمم المتحدة تسريب أسماء قبل التشاور مع دمشق، فردّ فيلتمان بأن كل الأسماء المتداولة تندرج في إطار التكهنات الإعلامية ولا أساس لها، لكن ذلك لا يعني أن الأسماء التي ذكرت مستبعدة.
وأشارت مصادر إلى أن المعارضة السورية لا تعني أن موسكو وطهران لن تمارسا الضغط على دمشق لقبول الإبراهيمي إذا كان الرجل يحمل أفكاراً وتفويضاً مساعداً على الحلّ السياسي للأزمة المستفحلة.
الجدير بالذكر أن اسم الأخضر الإبراهيمي مطروح للتشاور، لكن التحفظ عليه يأتي أيضاً من الولايات المتحدة التي رفضت منحه دوراً في أفغانستان عندما طرحه الجنرال دوغلاس لوت ليكون مبعوثاً دولياً خاصاً فيها. وكانت المعارضة من هيلاري كلينتون شخصياً وفضّلت ريتشارد هولبروك عليه.
من جهة أخرى، رفض متحدث باسم الأمين العام التكهن حول هوية الشخصية الأوفر حظاً للحلول محل أنان. وقال إدواردو ديل بوي، نائب الناطق الرسمي إنه لن يدخل في لعبة التكهنات وإن الأمين العام سيعلن الأمر في بيان رسمي فور اتخاذ قرار بذلك. ولم يحدد موعداً.
إلى ذلك، وضعت مصادر مطلعة الأنباء حول تعيين الإبراهيمي في خانة التكهنات الصحافية. ومن الأسماء الأخرى التي طرحت، وجرى استبعادها، محمد البرادعي الذي أغضب الولايات المتحدة في الموضوع النووي الإيراني، ورفضت التجديد له مديراً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما ذكر اسم مارتي اهتيساري، الفنلندي الذي لا تقبله موسكو. وهناك غرو هارلم برونتلاند، وساداكو أوغاتا، اللذان كانا مسؤولان دوليان لشؤون الإغاثة في التسعينيات من القرن الماضي.