يقف تجار الياميش هذا العام في أسواق مصر أمام بضاعتهم المتنوعة، معلنين أنه لا صوت يعلو فوق صوت السياسة. فعلى عكس السنوات الماضية التي طغت فيها أسماء الفنانين والمسلسلات على أنواع البلح، الذي أصبحت تسميته بأسماء الأحداث والمشاهير عادة مصرية، احتلت الثورة ومفرداتها وأشخاصها منصة البيع. فـ«الريس مرسي»، و«المشير»، وشفيق، والثورة مستمرة، والشهداء، هي بعض من أسماء تمور وبلح هذا العام في الأسواق المصرية. وبالفعل عكست أسعار البلح الأوزان النسبية للسياسيين ونتائجهم على أرض الواقع. فـ«الريس مرسي» يعد أغلى أنوع البلح وأجودها بجانب بلح الشهداء والثورة مستمرة، والتي تجاوزت أسعارها 18 جنيهاً، وتراوحت في بعض المناطق ما بين 20 إلى 28 جنيهاً، فيما حل المشير وشفيق وعمر سليمان في المؤخرة بأسعار تتراوح ما بين 10 إلى 16 جنيه وأقل من ذلك في بعض الأحياء الفقيرة، ولم يزاحم السياسيين هذا العام في الأسماء سوى لاعب كرة القدم المعروف محمد أبو تريكة، الذي جاء سعر نوعه منخفضاً.
ورغم جاذبية الأسماء، وارتباطها بأحداث جارية تدفع الناس للحديث عنها، إلا أن التجار اشتكوا هذا العام من انخفاض الإقبال على الشراء، واشتكى المواطنون من الأسعار الغالية الثمن بالنسبة للوضع الاقتصادي الحالي. الباحث في علم الاجتماع السياسي، إسماعيل الإسكندراني، أوضح لـ«الأخبار» أن ظاهرة استهلاك الأسماء من قبل التجار ممتدة من «الحشيش إلى الياميش»، سواء في صورة أسماء فنانين أو رياضيين أو سياسيين، فلا يقتصر الأمر على تجارة أو بضاعة بعينها، إلا أنها تكون لافتة في رمضان بشكل أخص في البلح والياميش.
ويشير الإسكندراني إلى أن من نتائج الثورة، انشغال الناس بالسياسة، الأمر الذي منح الرموز السياسية نفس الثقل والأهمية الموجودة لدى الرياضيين والفنانين، لافتاً إلى أن الناس كانوا ينظرون للسياسيين في السابق على أنهم لا يمتون للشعب بصلة، ويُفرضون عليهم فرضاً، أما الآن فكثير منهم أصبح حديث الناس، ويتمتع بروح عفوية تجعله قريباً من الناس.
الخبير النفسي الدكتور أحمد عبد الله، رأى في حديث مع «الأخبار» أن «تسمية البضائع بأسماء محددة، هي نوع من أنسنة الأشياء، وهو في احدى دلالته دليل تحضر». أما اختيار أسماء الأحداث لوصف البلح بها، فيشير إلى أنها «إحدى البصمات المصرية اللافتة» والتي تميز التاجر المصري. واعتبر أن وضع أسماء أشخاص بعينهم على نوع رديء وأشخاص آخرين على نوع جيد «هو انعكاس لتقييم الشارع للسياسيين والأحداث»، مستشهداً بصدام حسين الذي اختلف اسمه من نوع لآخر قبل إعدامه وبعد إعدامه، وحتى أثناء حرب الخليج في التسعينيات.
بدورها، أرجعت رئيسة جمعية رواد البيئية وحقوق الإنسان، وفاء المنيسي، هذه الظاهرة إلى أن «حياتنا بقت كلها سياسة»، ومن ثم أصبح بعض التجار يقولون ما بداخلهم من خلال بضاعة السوق. فإذا أرادوا مدح أحد أو بيان أن شأنه مرتفع بين الناس، أطلقوا اسمه على الأصناف الأجود والأفضل، إلا أنها أكدت على عدم تأثر الطبقات المثقفة بهذه الأسماء. فهي على سبيل المثال تذهب لشراء نوع محدد هو «الساكوتي» بغض النظر عمن يحمل اسمه التجاري هذا العام، بعكس بعض البسطاء ممن يتأثرون عاطفياً أحياناً باسم الصنف حتى لو كانت المفاضلة بين نوعين غير مرتفعي الثمن. وقد شهد رمضان هذا العام في مصر انخفاض مظاهر عديدة كانت تميزه واختفاءها، سواء في القاهرة أو الإسكندرية، أو غيرهما من المحافظات، مثل انخفاض بيع الكنافة والقطايف اللذين يشكلان ضيفاً رئيسياً على مائدة الأسرة المصرية. كذلك ضعف حجم الزينة المعلقة بصورة شديدة، لدرجة اختفاء ورق الزينة والفوانيس من شوارع القاهرة الفاطمية بما تمثله من بُعد تاريخي، وفلكلوري، فضلاً عن المناطق الشعبية التي كانت تتزين فقط برمضان، بما عكس حالة من الخمول والجمود على الشارع المصري صباحاً بسبب حر الصيف ومساءً بسبب قلة مظاهر البهجة فيه.
أحمد محسن، عضو شعبة الحلويات في الغرفة التجارية بالإسكندرية، أرجع غياب الكنافة والقطايف، إلى ارتفاع أسعار تأجير المعدات وزيادة أسعار الدقيق، الذي يعد المكون الرئيس لتصنيعهما، من 2150 جنيهاً إلى 2450 وأنواع أخرى من 3050 جنيهاً إلى 3130 جنيهاً للطن. كذلك ارتفع سعر العمالة في حر الصيف، بما أدى إلى تراجع 60 في المئة من تلك الصناعة ورفع الأسعار ليصل كيلو الكنافة إلى 8 و 10 جنيهات بعدما كان 5 و6 جنيهات. كذلك، لفت إلى أن الأزمة السورية أثرت في أنواع وأسعار قمر الدين، المشروب الرمضاني الشهير، ليرتفع سعره وتظهر أنواع أقل جودة منه في السوق المصرية، حيث كانت سوريا من أهم مصدري قمر الدين لمصر.
وعن اختفاء مظاهر رمضان هذا العام، أبدى الإسكندراني دهشته من هذه الظاهرة، مطالباً بإجراء دراسة على هذا الأمر للخروج بنتيجة غير تعسفية من قبيل أن وجود سلفيين وإخوان كثر في الحكم واختلاطهم بالعمل العام، مع عدم إقبالهم أو ترحيبهم بهذه المظاهر الفلكورية، هو السبب. ورجح «بشكل مبدئي» أن الخروج من الانتخابات الرئاسية وطغيان العامل السياسي، ربما يكونان أحد المداخل التفسيرية للأمر.
من جهتها، رأت المنيسي أن المظاهر الإيمانية والروح الرمضانية، تركزت في التجمعات الكبرى، مثل مسجد القائد إبراهيم وغيره، بما جعلها تنسحب من أماكن أخرى، مرجعةً ارتفاع أسعار المعيشة إلى انصراف الناس عن أمور ثانوية كانت تعد أساسية في إدخال البهجة على المجتمع.



حر ولا كهرباء

عزا الدكتور أحمد عبد الله، حالة الخمول والجمود التي يشهدها الشارع المصري إلى الحالة السياسية الضبابية والراكدة التي كانت تشغل الناس الأيام الماضية، «فلا جديد يفعلونه في هذا الحر سوى محاولة تمرير الوقت والأيام، لعدم القدرة على العمل في الحر، وتقليدية الأنشطة مساء من صلاة تراويح ونوم وسحور». كذلك ارجع انخفاض مظاهر رمضان إلى الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر والتي تجعل المواطن في حالة قلق وترقب دائم لها، وانقطاع الكهرباء الدائم الذي يجعل «إنارة فانوس في شارع مظلم نصف يومه أمر عبثي».
وتعاني مصر في الآونة الأخيرة من انقطاع غير مسبوق للتيار الكهربائي، ضاعفه الحر الشديد الذي أدى إلى زيادة الأحمال على الشبكة الكهربائية وجعلها عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين من الكهرباء. وهو ما أثار حفيظة المواطنين ودفعهم لمطالبة الحكومة الجديدة بضرورة ايجاد حل عاجل للمشكلة.