المثلث | لقيت المقاومة ورود القاسم استقبال الأبطال من أهلها وأصدقائها عند خروجها، أول من أمس، من الأسر بعد ست سنوات، من أمام سجن هشارون الاسرائيلي وصولاً إلى منزلها في طيرة المثلث. البطلة المحرّرة، صُنفت من قبل الاحتلال كمقاومة من الطراز الأول، بعدما وجهت اليها عدّة تهم أهمها محاولة تنفيذ عملية فدائية في أحد مطاعم مدينة رعنانا. ورود ماهر قاسم هو اسمها الثلاثي، وهي من مواليد طيرة بني صعب بالمثلث الجنوبي 20 حزيران من العام 1986. ترعرعت بين 3 أشقاء وشقيقة واحدة، كانت أصغرهم، ودرست وعاشت في الطيرة، حيث أنهت تعليمها الثانوي في مدرسة إبراهيم قاسم في عام 2004. عملت لمدة عامين قبل أن تقرر الالتحاق بالجامعة.
ورود لم تخف خلال حديثها لـ«الأخبار» تضارب مشاعرها بين الفرح والحزن، حيث قالت «أشعر بفرح كبير، شعور لا يمكن وصفه واحساس لا يشعر به إلا من تحرر من الأسر، فقد عدت أخيراً إلى منزلي، وحضن عائلتي وأصدقائي، لكنني لن أُخفي أيضاً بأن هذا الشعور ممزوج بالحزن نوعاً ما، فقد تركت خلفي أسرى وأسيرات داخل السجن».
وتضيف ورود «من بين الذين ودّعتهم، أسرى اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، لكن العالم وللأسف لم يتحرك لأجلهم، رغم أن هؤلاء الأسرى قضوا زهرة حياتهم داخل السجون ليس لغاية في نفسهم، وانما للدفاع على قضايا الأمة العربية بشكل عام، ولهؤلاء الأسرى يجب تقديم أبسط الحقوق، لكني اعتقد أن العالم يهمل ملف الأسرى».
كانت ورود، وككل الأسيرات، تعاني الأمرين في أسرها، وخصوصاً قبل توجهها إلى المحكمة، وعند نقلها من سجن لآخر. لقد وصفت كيف كان سريرها في سجن الرملة عبارة عن «كتلة اسمنت»، ونادراً ما أمكن الحصول على بطانية، وإن حدث ذلك فإنها تكون غير صالحة للاستعمال أصلاً. «وما عليك الا التأقلم سريعاً على السجن الجديد الذي تُنقل إليه، وظروفه القاسية، وإدارته الجديدة» تقول ورود. وغالباً ما كانت هي والأسيرات يتعرضن للاعتداء على أيدي ما يسمى «وحدة نحشون» الخاصة بقمع الأسرى في السجون، ولم يُجد تقديم العديد من الشكاوى ضدّ هذه الاعتداءات.
وتشير ورود القاسم الى أن الاحتلال كان يتعمد دائماً خلط الأسيرات على خلفيات أمنية وجنائية، مشددة على أنّ هذا أمر لا يمكنها تجاهله، لأنها ومن معها من الأسيرات كن يتلقين الشتائم والاهانات، وتزداد لديهن لوعة الاشتياق للحرية والأهل والأصدقاء.
تنقلت ورود بين عدّة سجون كان أوّلها سجن الرملة، سيئ السمعة والصيت، وثانيها سجن هشارون ثم سجن الدامون. وعانت ورود خلال الأسر من سياسة الإهمال الطبي؛ فبعد سنوات من أسرها أصابها مرض في المعدة، كان يدفعها الى تقيؤ كافة الطعام الذي تتناوله، وهو ما أثر بشكل كبير على وضعها الصحي، فتناقص وزنها بشكل ملحوظ، وأصبحت هزيلة لقلّة الرعاية الصحية، إضافة إلى معاناتها من ألم حاد في الأسنان.
وتقدّمت ورود بعدّة طلبات لنقلها الى المستشفى وتلقي العلاج، لكن الاحتلال كان دائماً ما يساومها على ذلك، حيث عرض عليها العلاج مقابل الموافقة على العزل الانفرادي لثلاثة أشهر، وهو ما رفضته، رغم أنها كانت تعاني أمراض العظام والمفاصل، لكن الإهمال الطبي بحقها كان متعمداً. كما تعرّضت ورود للاعتداء، أثناء إحضارها إلى المحكمة المركزية في تل أبيب، على أيدي أفراد قوات الحراسة التي ترافقها، أكثر من مرّة. وكان أفراد الحراسة يمنعونها من الحديث مع ذويها، ويعتدون عليها ويجرونها من الأصفاد والسلاسل، التي كبلت يديها وقدميها. وكان كل ذلك يحصل بحضور مندوبين عن جمعيات حقوقية، دون أن يحرك أحد منهم ساكناً. وفي تفاصيل اعتقالها، فان الأمر وقع عندما كانت ورود تعمل في مجمع تجاري، فقامت قوات الاحتلال بإغلاق جميع الطرق المؤدية للمجمع ومحاصرته من كافة الاتجاهات، وطلبوا من ورود مرافقتهم بهدوء وبدون أي مقاومة، بعدما ربطوا يديها بالسلاسل الحديدية، ليتم اقتيادها بعد ذلك إلى موقف السيارات، حيث كانت سيارتها، فصادروا كل ما في داخلها.
وكان ذلك في تشرين الأول من العام 2006، في شهر رمضان، حيث كانت ورود صائمة وكانت الساعة تقارب الرابعة عصراً. وبعد سبع ساعات من اعتقالها، أبلغ الاحتلال عائلة ورود بأنّها موقوفة للتحقيق معها. واعتقلوا معها صديقتين لها، قبل أن يفرج عنهن في ذات اليوم. أربع سنوات قضتها ورود في الأسر، بين التحقيقات والمحاكم قبل أن تُقدّم لائحة الاتهام بحقها في العام 2010، وكان من أبرزها التخطيط لنسف وتفجير مطعم بمدينة رعنانا، ونقل حزام ناسف بوزن 7 كيلوغرامات يعمل عن طريق الجوال، وإطلاق نار على مكتب الارتباط بمدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، بالإضافة إلى التعاون مع عدو والانتماء لتنظيم معاد وإرهابي، وتجنيد أعضاء بفصائل معادية، وضبط بطاقة خاصة لها بالتنظيم، ليحكم عليها ستة أعوام، وعامين مع وقف التنفيذ. أما القضاة والمدعي العام الإسرائيلي، فكانوا يعتبرونها «خطيرة جداً» لأنها تحمل الجنسية الإسرائيلية، وتشكل خطراً على دولة الاحتلال وذلك بحكم حرية التنقل داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 48. وخلال أسرها، نادت عدة جهات صهيونية متطرفة مراراً بتهجير عائلتها وإخراجهم من بلدهم وقطع عنهم كل حقوقهم، لكنهم فشلوا في تحقيق مرادهم.



أفرجت سلطات الاحتلال، أول من أمس عن الأسيرة ورود قاسم، وذلك بعدما وافقت محكمة الثلث على إطلاق سراحها قبل شهرين من إنهاء مدة عقوبتها، حيث كان من المفروض أن يتم الإفراج عنها مطلع تشرين الأول القادم. وكانت السلطات الإسرائيلية قد تحفظت على ورود خلال صفقة تبادل الأسرى. وفي اليوم نفسه أفرج الاحتلال أيضاً عن الأسير السياسي نبيل حرزلله من قرية عيلوط قرب الناصرة، وذلك بعد 12 عاما من الأسر.