تونس | كشفت رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، المناضلة راضية النصراوي، في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية المحليّة، وجود «العديد من شكاوى المواطنين التي تتهم الأمن التونسي بممارسة التعذيب والتعنيف في مراكز الإيقاف وعند الخضوع للاستجواب». ويأتي اعلان النصراوي في وقت تشهد فيه البلاد احتدام الصراع السياسي بين القوى السياسية والنقابية و«ترويكا النهضة»، فيما باتت استقلالية القضاء موضع شك مع بوادر «تسييسه» من قبل «الترويكا». في هذا النطاق، أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، بلقاسم العياري، أنه تم تعذيب النقابيين الموقوفين في أحداث مستشفى الهادي شاكر بصفاقس، وبرهانه على ذلك رفض قاضي التحقيق لطبيب كلفه اتحاد الشغل بمعاينة الموقوفين.
بدوره، أشار أحد أعضاء فريق الدفاع عن النقابيين، المحامي شكري بلعيد، أنه «إضافة إلى تعنيف النقابيين في المستشفى» قام عناصر الأمن بـ«تعذيبهم في مراكز الأمن»، مؤكداً وجود آثار تعذيب على أجسادهم.
وحمل بلعيد كلاً من وزيري العدل وحقوق الانسان مسؤولية حصول حالات التعذيب في البلاد، متهماً، في اشارة ضمنية، «ترويكا النهضة»، بالمشاركة في الوضع القائم. وأفاد بأن ما كان يمارس في عهد بن علي يمارس اليوم، مضيفاً أن ما قام به بن علي لسنوات تقوم به حكومة الترويكا في أشهر قليلة.
وأضاف بلعيد «هناك تعذيب على أجساد تونسية في المحاكم و مراكز الأمن وفي حكومة تحترم نفسها ووزراء يحترمون أنفسهم المفروض أن يقدّموا استقالاتهم».
من جهة اخرى، وفي تصعيد للقضية، كشف ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في معتمدية صفاقس الشمالية، عضو لجنة الدفاع عن النقابيين، زبير الوحيشي، عن امكانية التوجه للقضاء الدولي لطرح قضية «النقابيين المحتجزين في صفاقس»، ما سيضع السلطات التونسية، التي صادقت في حزيران العام الماضي على بروتوكول الامم المتحدة ضد التعذيب، نفسها متهمةً في قضية «تعذيب» على المستوى الدولي.
وذكر الوحيشي أن الرابطة قامت بتشكيل هيئة محامين ستتولى رفع جملة من الدعاوى العامة، مضيفاً أنه «إذا لم يتحمل القضاء التونسي مهمته التاريخية فسنقوم برفع قضية جريمة التعذيب إلى القضاء الدولي».
بدورها، أكدت منظمة العفو الدولية وجود حالات من التعدي على حقوق الإنسان في مراكز الإيقاف، بل وطالبت «ترويكا النهضة» بفتح تحقيق مستقل ونزيه حول التقارير الأخيرة عن وجود عمليات تعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة ضد متظاهرين في مراكز الإيقاف.
وأضافت «أمنستي»، في تقريرها، شهادة عن أحد المواطنين حول تعرضه للتعذيب والإهانة من قبل 3 أعوان من الشرطة بـ«تهمة التخطيط لإضراب وتحريض الناس على المشاركة فيه». وقال إنه ضرب بالعصي لمدة 20 دقيقة وأنه اُصيب في بطنه وكُسر أنفه نتيجة هذه الاعتداءات. وأضاف المواطن صاحب الشهادة أنه تم اقتياده لاحقاً في ممرّ وأجبروه على خلع ملابسه وألقوا عليه الماء البارد.
ولم تكن هذه الشهادة الوحيدة عن تعرض التونسيين للتعذيب على أيدي الامن، والشواهد على ذلك كثيرة، ابرزها تعدي رجال الأمن الواضح على المواطنين في الوقفة الاحتجاجية التي نظمت الشهر الماضي، حيث انهال رجال الأمن على منظمي الاحتجاج من مدونين وحقوقيين بالضرب بالهراوات في صورة تذكر بمشاهد قديمة عاشتها تونس زمن ديكتاتورية بن علي.
هذه الشهادات أكدتها «ترويكا النهضة»، على لسان وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، سمير ديلو، في شهر أيار الماضي، الذي أقر بوجود التعذيب إلا أنه استدرك متحدثاً عن «إرادة سياسية لمناهضة التعذيب» يجب أن «تترجم على المستوى القانوني بل وترتقي إلى مستوى دستوري».
لكن مع مرور الوقت، فإن تلك الآلية لم تجد طريقها للوجود بل بقيت قيد الشعارات السياسية، وهو ما يطرح استفهامات حول جدية «ترويكا النهضة» في مقاومة التعذيب، مع توجه الحركة الإسلامية إلى تسييس كافة المؤسسات المستحدثة، وخصوصاً أن الحركة بدأت تلعب بأوراق القضاء لترضية «مناوئيها» وهو ما يمكن استخلاصه جيداً من كلام الكاتب العام المساعد لاتحاد الشغل، الذي قال «وعدتنا الحكومة بإطلاق سراح النقابيين المحتجزين مقابل العودة إلى طاولة الحوار»، وهو ما يدل على استعمال «الترويكا» لورقة القضاء في صفقاتها السياسية.