تونس | لم تعرف مدينة سيدي بوزيد التونسية، منذ المواجهات التي أدّت الى اندلاع ثورة أسقطت النظام السابق، احتقاناً كالذي عرفته يوم أمس. احتقان تفجر في الشوارع تظاهرات وهتافات واشتباكات، وجاءت تلبية لدعوة جبهة ١٧ تشرين الثاني منذ أيام الى اعلان القطيعة مع الحكومة والتظاهر في الشارع من أجل طرد محافظ الجهة وكل المسؤولين الجهويين الذين يمثلون الحكومة. وتجمع مئات المواطنين منذ الصباح الباكر في وسط المدينة، الذي كان شاهداً على احتراق محمد البوعزيزي واندلاع الثورة التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي. وكان في مقدمة المتظاهرين نقابيون وممثلو الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات. وبرّرت جبهة ١٧ كانون الأول دعوتها الى هذه الانتفاضة بالتهميش والاحتقار الذي تمارسه الحكومة ضدّ الجهة التي خلصت تونس من الاستبداد وفتحت لها آفاقاً جديدة من الحرية. وتتهم الجبهة حركة «النهضة» بالالتفاف عليها وإعادة بنية النظام القديم بوجوه جديدة.
وجبهة 17 كانون الأول هي تكتل يضم أكثر من عشرة أحزاب سياسية معارضة. وقد أطلق المتظاهرون على تحركهم اسم «يوم التحرير من أجل إطلاق سراح الموقوفين فوراً ومن أجل كنس الثالوث الفاشل: الوالي ووكيل الجمهورية (النائب العام) ورئيس منطقة (مديرية) الحرس». ورفعوا شعارات مناوئة للحكومة ولحركة «النهضة» ورئيس الحكومة ووزارة الداخلية، اضافة الى شعارات تطالب بالحرية والكرامة والشغل والقطع مع الفساد والاستبداد والتهميش مثل «خبز وماء والنهضة لا» و«يا جبالي يا جبان البوزيدي لا يهان» و«وزارة الداخلية وزارة إرهابية» و«الشعب يريد إسقاط الحكومة».
كما رفعوا لافتات كتبوا عليها عبارات مثل «نطالب بحل المجلس التأسيسي والحكومة وعدم الاعتراف بالدستور الجديد»، الذي يعكف المجلس التأسيسي على صياغته، و«إنجازات الحكومة: قمع وتهميش وتعطيش» في إشارة إلى انقطاع مياه الشرب.
وحاول المتظاهرون اقتحام مقرّ المحافظة، ما دفع قوات الأمن الى تفريقهم باستعمال الغازات المسيلة للدموع وإطلاق عيارات نارية مطاطية في الهواء، وهو ما حوّل المدينة الى ساحة مواجهة مفتوحة بين المتظاهرين وقوات الأمن، قبل أن تمتد المواجهات الى الأحياء داخل المدينة. وتواصلت التجاذبات بين المتظاهرين وقوات الأمن لساعات، وسط احتمال تجددها مع ساعات المساء واليوم. وهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها المدينة هذه الدرجة من الاحتقان؛ فمنذ ١٧ كانون الاول ٢٠١٠ لم تهدأ المدينة ولم يتخل البسطاء والمهمشون عن الاحتجاج، لكن لم يصل مرة الغضب الشعبي الى ما وصل اليه يوم أمس.
وما يرجح زيادة حدة التوتر، قيام القوات الأمنية بحملة اعتقالات واسعة لشبان قالت انهم متورطون بالاحداث، وخصوصاً أن منظمات وناشطون اتهموا قوات الأمن بالاستعمال المفرط للقوة في تفريق الاحتجاجات الشعبية، وهو ما أدى الى وقوع عدة اصابات، بينها لشاب اختناقاً بالغاز المسيل للدموع، نُقل على أثره الى المستشفى بنحو عاجل.
كذلك ذكرت وكالة الأنباء التونسية نقلا عن مصادر طبية وأمنية أن خمسة أشخاص، بينهم صحافيان تونسيان، أصيبوا بالرصاص المطاطي، فيما أعلن حزب العمال المعارض على صفحته الرسمية على «فايسبوك» أن أحد أعضائه كان من بين المصابين بالرصاص المطاطي، وأن الشرطة باشرت «حملة مداهمات وتوقيفات موجهة بصورة خاصة ضد مناضلي حزب العمال وأنصاره». ودان «القمع الهمجي الذي واجهت به قوات الأمن هذه الاحتجاجات السلمية».
وتُعاني مدينة سيدي بوزيد والمناطق المجاورة لها من انقطاع مياه الشراب في فصل الصيف وشهر رمضان منذ أيام كما تعاني من ارتفاع معدل البطالة، وخصوصاً بطالة أصحاب الشهادات الجامعية، الى جانب ترهل البنى الأساسية وسوء الخدمات. ويعتبر أهالي سيدي بوزيد أن الثورة التي اندلعت من منطقتهم، وسقطت فيها أرواح الشهداء لم تحقق لهم شيئاً. ويعتبرون أن حكومة الترويكا هي حكومة التفاف على الثورة.
وكانت مدينة سيدي بوزيد قد شهدت منذ ٢٣ تشرين الأول، مع صعود «النهضة» للحكم، احتجاجات شعبية عارمة وعمليات تخريب لمقر الحركة وإحراق محتوياته أكثر من مرة، لكن احتجاجات أمس غير مسبوقة، اذ وصل عدد المحتجين فيها الى الآلاف، وهذا لم يحدث منذ سقوط النظام السابق، فهل تتسرب هذه الاحتجاجات الى المحافظات المجاورة التي تعاني من التهميش وارتفاع معدل الفقر مثل محافظتي القصرين وقفصة، وخصوصاً أن الحكومة اختارت التصعيد في قمع التحركات الشعبية والنقابية؟