انتقلت ليبيا أمس إلى مرحلة دستورية جديدة مع تسلّم المؤتمر الوطني العام، رسمياً، مقاليد السلطة التشريعية في البلاد، كأول سلطة مُنتخبة ديموقراطياً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وذلك خلال احتفال رمزي سجل أول عملية انتقال سلمي للحكم بعد أكثر من أربعين عاماً من الحكم الدكتاتوري.
وفي أول نشاط للمؤتمر العام الذي انتخب أعضاؤه الشهر الماضي، عقد مساء أمس جلسته الأولى برئاسة أكبر أعضائه سناً، محمد علي سليم (مواليد 1935)، بينما كان أصغر أعضاء البرلمان سناً علاء فتحي السنوسي (مواليد 1985)، مقرراً للجنة، حسبما ذكرت صحيفة «الوطن» الليبية.
المؤتمر الوطني العام تسلّم مهماته من المجلس الوطني الانتقالي الليبي في أحد فنادق طرابلس العاصمة، حيث شارك في الحفل رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، وأعضاء في المجلس الوطني الانتقالي والحكومة وممثلون عن المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية في ليبيا.
وكالة الأنباء الليبية ذكرت أن المؤتمر سيبدأ رسمياً أعماله خلال أسبوع، حيث سيُكلّف اختيار حكومة جديدة لتحل مكان المجلس الانتقالي، الذي يفترض أن يُحَلّ أثناء الجلسة الأولى للمؤتمر. كذلك يفترض أن يقود المؤتمر الوطني العام البلاد الى انتخابات جديدة على أساس دستور جديد. وستُختار أيضاً لجنة لصياغة القانون الداخلي للمؤتمر الوطني العام.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحالف القوى الوطنية، وهو ائتلاف يضم أكثر من أربعين حزباً ليبرالياً صغيراً بقيادة مهندسي ثورة 2011 ضد الزعيم الليبي الراحل، يحظى بـ 39 مقعداً من أصل 80 مقعداً مخصصة للأحزاب السياسية. أما «حزب العدالة والبناء» المنبثق من الإخوان المسلمين، فيحظى بـ 17 مقعداً، وهو ثاني تشكيل سياسي في المؤتمر. وقد وزعت المقاعد الـ 120 الباقية على مرشحين مستقلين ما زالت ولاءاتهم ومعتقداتهم غامضة، لكن الأحزاب تحاول استمالتهم.
وكانت الجماهيرية الليبية السابقة تعتمد «مؤتمر الشعب العام» كهيئة تشريعية تضم المؤتمرات واللجان الشعبية والاتحادات والنقابات والروابط المهنية، وفق ما جاء في «دستور» العقيد الراحل «الكتاب الأخضر»، لكن البرلمان الجديد الذي يضم 200 عضو، انتُخب أعضاؤه في 13 دائرة انتخابية رئيسية، ممثلاً للشعب الليبي في الولايات الرئيسية الثلاث: طرابلس وفزان وبرقة، وذلك رغم بعض الاعتراضات المحدودة في منطقة برقة الشرقية التي طالب مجلسها بحكم ذاتي وبعض المشكلات القبلية في الجنوب.
من الواضح أن أمام المؤتمر الجديد، تحديات كبيرة في ظل استمرار المجموعات المُسلّحة التي شكلت نواة الثورة وأسهمت في إسقاط النظام بدعم دولي وعربي شكلت فيه القوات الأطلسية بيضة القبان. فالمؤتمر سيقود ليبيا خلال مرحلة تستمر مدة عام ونصف عام يضع خلالها دستوراً جديداً للبلاد بعد انتخاب لجنة متخصّصة خلال اقتراع يشارك فيه كل الناخبين الليبيين.
صحيفة «الوطن»، التي أصبحت في صدارة المشهد الإعلامي للدولة الجديدة، بعدما كان الإعلام ناطقاً باسم «ملك الملوك» تحدثت عن تقارير أعدّها المجلس الانتقالي عبر لجانه الاستشارية، تتناول المرحلة التي قاد فيها ليبيا منذ انطلاق انتفاضة 17 شباط في مدينة بنغازي (شرق)، وذلك لتسليمها إلى المؤتمر العام في جلسته المقبلة.
وفي بلد لا تزال فيه السلطة الأمنية موزعة على الجماعات المُسلّحة وقوى الأمر الواقع القبلية والجهوية، كان لا بد من توفير مناخات هذا الحدث، بما يشكله من منعطف مهمّ في مسيرة التغيير الذي بدأ الليبيون يشعرون بأهميتها منذ أُتيح لهم اختيار ممثليهم في البرلمان. فصحيفة «قورينا الجديدة» نقلت أمس عن وزارة الداخلية إعلانها للمواطنين «أنه بمناسبة احتفال الشعب الليبي بتسليم السلطة من المجلس الوطني الانتقالي المؤقت إلى المؤتمر الوطني العام، سيتم إغلاق الطرق المحاذية والمؤدية إلى فندق ريكسوس بغابة النصر».
في موازاة هذه الاستعدادات كانت لفتة رئيس الحكومة الليبية عبد الرحيم الكيب من الرباط أمس، الى أهمية الاستعانة بأيدي عاملة مغاربية لبناء ليبيا الجديدة، فقد ذكر الكيب خلال ندوة صحافية مشتركة مع رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، أن «العمالة المغربية مرحّب بها في ليبيا بشكل كبير جداً، وأرى المجال مفتوحاً على مصراعيه لمن يستطيع ومن لديه الإمكانية للمساهمة في إعادة بناء ليبيا الجديدة، ونؤكد رغبتنا الشديدة في أن تكون للمغرب بصمته في هذه العملية».
وغداة هذا الانتقال الدستوري، تنطلق الهضبة الأفريقية نحو مواجهة استحقاقات عديدة أبرزها استحقاق الأمن، بعد ظهور موجة من السيارات المفخخة، ولا سيما في «عاصمة الثورة» بنغازي.
(الأخبار)