تتعارض التقديرات بين المستوى السياسي الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، والأجهزة الأمنية، وفي صدارتها الاستخبارات العسكرية «أمان»، حول أسباب الهبة الشعبية الفلسطينية الجارية ومآلاتها. يرى نتنياهو وأنصاره أنها تأتي امتدادا لما واجهته إسرائيل طوال تاريخها، في محاولة لقطع الطريق على مطالبته بالمبادرة إلى خطوات سياسية ترمي إلى فتح أفق سياسي أمام الجمهور الفلسطيني، فيما ترى الأجهزة المهنية أنها تعود إلى الإحباط واليأس اللذين يسيطران على الشارع الفلسطيني، مع ما ينطوي عليه ذلك من دعوة ضمنية إلى خطوات سياسية للتهدئة.
في هذا السياق، قدّر رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء هرتسي هليفي، أن سبب العمليات التي ينفذها الشبان الفلسطينيون في المرحلة الحالية، يعود إلى اليأس والإحباط في صفوفهم وإلى شعورهم بأنه لا شيء يخسرونه خاصة لدى جيل الشباب. وأضاف هليفي، خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية يوم الأحد الماضي، ونقلتها مصادر متعددة شاركت في الجلسة لصحيفة «هآرتس»، أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التأثير في هؤلاء الشبان بسبب الفجوة القائمة والآخذة في التعمق بين السلطة والجيل الشاب، لكن هذا يتعارض مع الخط الدعائي الذي تتبناه حكومة نتنياهو حول تحميل الرئيس محمود عباس مسؤولية التحريض الذي يحفز الشباب الفلسطينيين لتنفيذ مثل هذه العمليات.
هليفي ذكر أن رئيس السلطة وأجهزته الأمنية يبذلون جهودا كبيرة لمنع تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، لكنه قال إن هناك عوامل أخرى أثرت في قسم من الشبان الذين نفذوا العمليات، كان من بينها الحوار على الشبكات الاجتماعية ومشاهدة الأفلام التي وثَّقت لعمليات أخرى، ولكن عرض الرجل استفز بعض الحضور في الحكومة، ونتيجة ذلك توجه إليه وزير الاستيعاب، زئيف الكين، بالقول: «هناك أيضا التحريض الذي لم يذكر».
بعض من شارك في الجلسة نقل أن الكين قال: «حديث هليفي يثير الانطباع كأن إسرائيل هي المذنبة لا التحريض»، ثم لفتوا إلى أن هليفي لم يناقش الكين وإنما اكتفى بالقول: «نعم يوجد التحريض أيضا». وذكرت «هآرتس» أن الكين رفض التعقيب، كما رفض الجيش ذلك.

حديث رئيس الاستخبارات العسكرية استفز بعض الوزراء الإسرائيليين

وتمثل تصريحات هليفي الموقف السائد الذي تعرضه الأجهزة الأمنية والجيش خاصة أمام المجلس الوزاري المصغر والحكومة منذ بدء التصعيد. ووفق الصحيفة، فإن رئيس الأركان، غادي ايزنكوت، يقود مع كبار المسؤولين في القيادة العامة «خطا حمائميا وأكثر اعتدالا من خط وزراء الحكومة، ويؤكدون الحاجة إلى مواصلة التنسيق الوثيق مع عباس وأجهزة الأمن الفلسطينية، قدر الإمكان».
كذلك يتعارض التقييم الذي قدمه هليفي تماما مع التصريحات التي أدلى بها نتنياهو في الخامس عشر من تشرين الأول الماضي، عندما قال: «يقولون لنا إن هذا بسبب الإحباط، لكن هذا ليس بسبب واقع الأفق السياسي ولا بسبب غياب الأفق، وإنما بسبب الرغبة بالتخلص من دولة إسرائيل. الإحباط ناجم عن وجودنا هنا، عن وجود دولة إسرائيل هنا»، ثم كرر ذلك، خلال افتتاح دورة الكنيست الحالية في 12 تشرين الأول، بالقول: «الإرهاب ليس نابعا من الإحباط بسبب عدم التقدم بالعملية السياسية وإنما من الرغبة بإبادتنا». وفي مناسبات أخرى شدد على أن «موجة الإرهاب هي نتيجة التحريض الجامح والكاذب لحماس والسلطة الفلسطينية وبعض دول المنطقة والحركة الإسلامية في إسرائيل».
في سياق متصل، نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن قائد شرطة الخليل، المقدم يسرائيل طال قوله، إن «حجم الكراهية فاجأنا. الشرطة في حالة تأهب متواصل وطوال اليوم نحاول فهم من أين سيصل الخطر التالي». وعبر طال عن مفاجأته من هوية المنفذين للعمليات بالقول: «يدور الحديث عن أبناء عائلات جيدة يصلون إلى الساحات بملابس فاخرة».
وأعطى مثالا على ذلك بالقول: «وجدنا في حقيبة الشابة التي نفذت عملية طعن قرب الحرم الابراهيمي الأسبوع الماضي، نظارات للقراءة وامتحان حصلت فيه على علامة 85، وكتبا دراسية وملابس ثمينة. هذه صورة تختلف عن صورة المهاجم التي نعرفها، وهذا ينبع عن التحريض الجنوني الذي لا يعرفه الأهل». ونتيجة ذلك، يحرص طال على تفقد كل حدث ينفذ فيه عملية لدراسة مزايا كل منفذ للعمليات. وخلص قائد شرطة الخليل إلى أنه «وفق التقييمات التي نجريها، لا يبدو الهدوء في الأفق، لذلك نستعد للتصعيد».
إلى ذلك، أقر الكنيست الاسرائيلي ليل الإثنين الثلاثاء مشروع قانون يفرض عقوبة السجن لثلاث سنوات على الأقل على راشقي الحجارة. وأقر القانون الذي دعمته حكومة نتنياهو بغالبية 51 صوتا مقابل 17 فقط.