القاهرة | تشيّع مصر اليوم جثامين ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع مساء أول من أمس في سيناء عند نقطة حدودية بالقرب من معبر كرم أبو سالم، وراح ضحيته 16 شهيداً وعدد من المصابين، بينما توعدت الرئاسة المصرية والقوات المسلحة والحكومة بردّ قاس على منفذي الهجوم. أما الشارع فيتألم وهو يبحث عن المعلومة اليقين، متسائلاً من قتل الجنود على الحدود في ظل تضارب المعلومات وتعدّد التفسيرات لما حمله الاعتداء من رسائل. أصوات سارعت إلى اتهام حركة «حماس»، وطالبت بإبادة قطاع غزة بمن فيه، وتحليلات أخرى رأت أن الفاعل هو جماعات إسلامية متشددة اتخذت من جبال سيناء ملاذاً آمناً لها، بينما كانت هناك آراء أخرى تجزم بأن هناك أيادي إسرائيلية في العملية، ربما استخدمت عناصر سيناوية أو فلسطينية.
رسائل عديدة حملها المتابعون للاعتداء، فمنهم من رآها محاولة للوقيعة بين مصر وقطاع غزة، وفض التحالف الناشئ بين الإخوان المسلمين وحركة حماس، وآخرون رأوا أنها مسعى لمحاصرة حكم الإخوان المسلمين في الداخل وكف يد الجماعة عن التعاطي في السياسة الخارجية، فيما شدّد البعض على أن الاعتداء فرصة لإعادة صياغة اتفاقية كامب ديفيد. تفسيرات عديدة لا تلغي الحقيقة الوحيدة، وهي مقتل 16 جندياً مصرياً.
الشارع بدا مصدوماً منذ الإعلان عن الحادث، بينما حاولت مؤسسة الرئاسة والحكومة والمجلس العسكري أن تثبت أنها لا تزال تمسك بزمام الأمور. وتفقّد مرسي أمس الحدود المصرية ـــــ الإسرائيلية برفقة وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس هيئة أركان القوات المسلحة الفريق سامي عنان، ووزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين.
وكان التلفزيون المصري قد نقل بعد ساعات من وقوع الحادث تصريحات لمرسي، قال فيها إن «دماء شهداء هجوم سيناء لن تضيع هدراً، مشدداً على أن المجرمين سيدفعون ثمناً غالياً لجرمهم، وكل من يتعاون معهم. كذلك أكد أنه «لا مجال لمهادنة هذا الغدر والعدوان والإجرام، وسيرى الجميع أن القوات المصرية ورجال الشرطة والقوات المسلحة قادرون على مطاردة المجرمين وملاحقتهم أينما وجدوا، ولا مكان لهؤلاء المجرمين بيننا». من جهته، أكد المتحدث باسم رئيس الجمهورية، ياسر علي، صدور قرار جمهوري بتكريم كل من استشهد أو أصيب في العملية، بحيث تجري معاملتهم مثل شهداء ومصابي 25 يناير. كذلك قرر مرسي إعلان حالة الحداد 3 أيام، وإقامة جنازة عسكرية للشهداء. ونقلت طائرات حربية أمس جثامين ضحايا الحادث من المستشفى الذي نقلوا إليه عقب الحادث بالعريش إلى مطار ألماظة العسكري في القاهرة استعداداً لمراسم الجنازة العسكرية.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة أن الأجهزة الأمنية تعمل على مدار الساعة من أجل كشف ملابسات الحادث، و«سيتم الإعلان في أقرب وقت عن كل تفاصيله». وفي إجابته عن سؤال حول احتمال تعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما يسمح بنشر قوات مصرية إضافية هناك، أكد أن «هناك إجراءات للتأكيد على السيادة المصرية على سيناء، وهذا الأمر ليس محل نقاش»، وهو الموقف نفسه الذي أكده وزير الخارجية المصري، محمد كامل عمرو، بقوله «إن الحديث حول مراجعة اتفاقية كامب ديفيد أمر سابق لأوانه حالياً».
من جهته، أصدر المجلس العسكري بياناً أدان فيه الحادث وشرح تفاصيله، لافتاً إلى أنه «في توقيت الإفطار وعند آذان المغرب، هاجمت مجموعة إرهابية بقوة 35 فرداً أحد مقار تمركز قوات حرس الحدود المصرية جنوب رفح، ما أدى إلى استشهاد 16 فرداً وإصابة 7 آخرين منهم 3 إصابات حرجة تم نقلهم إلى المستشفيات لعلاجهم». وأضاف البيان أن المهاجمين «استولوا على مركبة مدرعة واستخدموها في اختراق الحدود المصرية الإسرائيلية من خلال معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، وتعاملت معها القوات الإسرائيلية ودمرتها». وأكد البيان أن «الهجوم تزامن معه قيام عناصر من قطاع غزة بالمعاونة، من خلال أعمال قصف بنيران مدافع الهاون على منطقة معبر كرم أبو سالم»، ما يعكس مؤشرات ودلائل تحمل في طياتها مخاطر وتهديدات تتعرض لها سيناء «تتطلب منا جميعاً اليقظة والحذر تجاه المخططات والمطامع التي تتعرض لها مصر». وأكد البيان أن «القوات المسلحة ستقوم بالتعاون مع قوات وعناصر وزارة الداخلية والأوفياء والمخلصين من أبناء سيناء، بالعمل على استعادة الأمن والاستقرار في أسرع وقت ممكن».
على المستوى السياسي، أصدرت معظم الأحزاب والحركات السياسية بيانات تدين الاعتداء على كمين القوات المسلحة. وطالب حزب الحرية والعدالة «باتخاذ كل التدابير المطلوبة لمواجهة هذا التحدي الخطير للسيادة المصرية، واتخاذ ما يلزم لحماية سيناء من كل الجماعات المسلحة»، فيما أشار بيان حزب البناء والتنمية، المنبثق عن الجماعة الإسلامية، إلى أنه لا يستبعد أن تكون للاستخبارات الإسرائيلية يد في دفع بعض العناصر السيناوية إلى الهجوم على القوات المصرية. أما حزب النور السلفي فطالب الرئيس بغلق كل المعابر غير الرسمية على الحدود المصرية الفلسطينية، والسماح بسهولة إدخال المواد الإعاشية إلى غزة عن طريق المعبر الرسمي الوحيد.
من جهتها، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً رأت فيه أن «هذه الجريمة يمكن أن تنسب إلى الموساد الذي يسعى لإجهاض الثورة منذ قيامها». وأضافت «يدل على هذا أنه أصدر تعليماته لمواطنيه الصهاينة الموجودين في سيناء بمغادرتها على الفور منذ عدة أيام، كما أنها تلفت نظرنا إلى أن قواتنا الموجودة في سيناء لا تكفي لحمايتها ولا لحماية حدودنا، الأمر الذي يحتّم إعادة النظر في بنود الاتفاقية المعقودة بيننا وبين الكيان الصهيوني». لكن إسرائيل نفت اتهام جماعة الإخوان المسلمين لها بالوقوف وراء الحادث. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، إيغال بالمور، «حتى من يقول هذا عندما ينظر إلى نفسه في المرآة لا يصدق الهراء الذي يقوله».
أما على مستوى المواطن العادي، فقد بدا الأمر أكثر سخونة. وبينما اختلف الجميع على هوية الجماعة التي نفذت الجريمة، إلا أنهم اتفقوا على ضرورة أن يتم الأخذ بالثأر منهم، وأن تقوم القوات المسلحة بعملية واسعة في سيناء للقضاء على العناصر الإرهابية. بعض ركاب المترو طالبوا بأن تلغى معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، أو على الأقل تعديلها حتى تتمكن الأجهزة الأمنية من الانتشار الجيد في تلك المنطقة. في المقابل، انتقد عدد آخر من الركاب الأجهزة الاستخبارية المصرية، وخصوصاً أن هناك معلومات سابقة كانت تشير إلى احتمال حدوث عمل إرهابي في سيناء.
بعض من في الشارع المصري فسّر الحادث بأنه مؤامرة للإيقاع بين الرئاسة المصرية وحركة «حماس». ورفض هؤلاء اتهام عناصر فلسطينية بالوقوف وراء الأحداث. ورأوا أنه في مسألة البحث عن المستفيد والخاسر، تكون حركة «حماس» هي الأكثر خسارة بين كل الأطراف، لو اعتبرتها مصر منفذ الهجوم. سليمان السيد، شاب مصري، يرى أن من قاموا بالعملية جماعات سيناوية مسلحة، ويحلل ذلك بأن الأيام الماضية كانت شاهدة على حوادث خطف لسياح أجانب وعساكر مصريين. ووفقاً للسيد، كانت تلك العناصر تريد الإفراج عن محكوم عليه في السجون المصرية، ما يعني أن تلك العناصر ترى في الأجهزة الأمنية في سيناء عدواً رئيسياً لها، وبالتالي عملية مثل تلك التي وقعت لا يمكن أن تخرج عن كونها عملية انتقام. لكن الشاب أحمد لديه وجهة نظر مختلفة، وهو يرى أن رواية الجماعات الإسلامية أكثر واقعية في أن تكون هي منفذ العملية الإرهابية، ولا سيما أن أغلب تلك الجماعات مخترقة من الجانب الاستخباري الإسرائيلي حسب قوله.