تحوّل حادث قتل الجنود المصريين الـ16 في شبه جزيرة سيناء الى فرصة حقيقية، لم تتردد القيادة الاسرائيلية في توظيفها ضمن سياق مساعيها ومحاولاتها لدفع القيادة المصرية الجديدة، الى مزيد من التنسيق نحو إحكام السيطرة على المنطقة وانهاء تحولها الى بؤرة توتر أمني يلقي بظلاله على الوضع الأمني لجنوب فلسطين المحتلة.
وكتعبير عن جانب من التوظيف الاسرائيلي، عبّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عن أسفه لمقتل 16 جندياً مصرياً بنيران المسلحين، معرباً عن اعتقاده بوجود «مصلحة مشتركة لاسرائيل ومصر بالحفاظ على حدود هادئة بيننا». وأثنى نتنياهو على أداء القوات الاسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك)، اللذين تمكنا من «احباط هجوم كبير للغاية، فقد استعددتم بنحو صحيح وعملتم بنحو صحيح».
نتنياهو استغل الحادثة لتوجيه رسائل من نوع آخر بالقول «مرة تلو أخرى يتضح أن الحديث يدور عن أمن مواطني اسرائيل، ودولة اسرائيل ملزمة وقادرة على الاعتماد على نفسها، ولا احد يمكنه اداء هذه المهمة غير الجيش الاسرائيلي وأذرع الأجهزة الامنية الاسرائيلية وسنواصل العمل وفق نفس المبدأ».
اما وزير الدفاع ايهود باراك، فقد وجّه الرسائل نفسها باتجاه مصر، معتبراً ان الهجوم على معبر كرم أبو سالم يشكل «جرس انذار لمصر كي تُحكم سيطرتها الأمنية على شمال سيناء».
ووصف باراك أداء القوات الإسرائيلية، بأنه كان «رد فعل حاداً ومركّزاً من جانب الجيش الاسرائيلي وقيادة الجبهة الجنوبية وجميع القوات المرافقة، وكانت عملية جيدة جداً من جانب الشاباك أدت الى منع حدوث اعتداء أكبر بكثير».
في السياق نفسه، جال رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، بني غانتس، برفقة قائد المنطقة الجنوبية اللواء طال روسو، في منطقة الهجوم، مشيراً الى انه «تم منع حدوث كارثة كبيرة جداً، وعملية عدائية معقّدة جداً، من جانب ارهابيين مرتبطين بسيناء وغزة»، وان «العملية كلها استمرت 15 دقيقة فقط».
اما روسو فأوضح انه «في كل مكان حاولت المركبة التوغل فيه واجهت قوة» عسكرية تابعة للجيش الاسرائيلي، مضيفاً انه «جرت هنا اشتباكات كثيرة حتى تم القضاء عليها (الآلية المدرعة) وقد اغلقت قوات من سلاح المدرعات وسلاح الجو وقوات برية الطريق امامها، وفي نهاية المطاف تم تدميرها من الجو والبر ».
في موازاة ذلك، احتلت الحادثة التي شهدتها الحدود الاسرائيلية المصرية، محور تعليقات وسائل الإعلام الاسرائيلية، اذ ذكر المعلق دان مرغليت في صحيفة «اسرائيل اليوم» أن الجيش والشاباك نجحا في «منع حادثة استراتيجية ذات قدرة انفجارية مميزة كان يمكن ان تدفع اسرائيل الى معركة معقدة على جبهات كثيرة». ولفت مرغليت الى انه برغم هذا الاستعداد «لم يفاجأ الجيش الاسرائيلي بالعملية وانما فوجئ بالجرأة»، واصفاً ما جرى بأنه «أكبر وأكثر جرأة وأكثر تحدياً مما عرفناه حتى الآن». واضاف ايضا ان ما ينبغي ان يغطي على فرحة احباط العملية وقتل المسلحين، «قلق كبير لأن سيناء أصبحت ارضاً بلا حاكم ولا حكم».
اما المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، فوصف ما جرى، من الناحية الاسرائيلية، بأنه نجاح كبير اذ سمح انذار مركز للشاباك باستعداد مسبق ناجع للجيش على مثلث الحدود في رفح، وكل من حاول اجتياز السياج الى الاراضي الاسرائيلية قُتل، فيما لم يصب احد من الجانب الاسرائيلي.
ولفت هرئيل الى انهم في اسرائيل يرفضون التطرق، بشكل مباشر، الى استعدادات الجيش الاسرائيلي قبل تنفيذ العملية، لكنه أكد على انه كان لدى الجانب الاسرائيلي معلومات مسبقة حول خلايا الجهاد العالمي. واستبعد ان يكون لحماس دور في تعريض العلاقة مع حكومة الاخوان المسلمين في القاهرة للخطر. وأضاف هرئيل، من الزاوية الاسرائيلية: «هنا عملية من دون عنوان، وما دام لا يوجد دليل على علاقة غزاوية من وراء المؤامرة» ونتيجة ذلك، «لا يوجد هدف لجبي ثمن منه». وعلى ما يبدو لا يوجد لدى الجهاد العالمي قواعد معروفة، اضافة الى ان من الصعب على اسرائيل المبادرة الى عملية في سيناء، في ظل الوضع المهتز في العلاقات مع مصر .
وأشار هرئيل ايضاً الى ان ما جرى يضع امام اسرائيل، على المدى البعيد، مشكلة أكبر بكثير وهي ان المسلحين أظهروا ذكاء وجرأة، اذ يبدو أن العملية تم التخطيط لها منذ زمن طويل. من ناحية ثانية، اعتبر هرئيل انه «لا يوجد من نوجه اليه رسائل» ولو بشكل غير مباشر، اذ ليس للمنظمات الارهابية في سيناء قيادة كما حركة حماس في غزة، «التي يمكن عبر تفعيل القوة توجيه رسائل اليها او اجراء مفاوضات غير مباشرة معها بواسطة المصريين او الالمان».
من جانبه، اعتبر محلل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أن إسرائيل «تذوقت أمس شيئاً مما يرتقبها إذ قبلت بالتكيف مع وضع يوجد فيه على حدودها مع مصر، وربما في هضبة الجولان أيضاً، كيان للجهاد العالمي في المستقبل». ورأى الكاتب أن نجاح أجهزة الأمن الإسرائيلية في إحباط عملية كرم أبو سالم هو «إشارة تحذير لإسرائيل من أن الحصانة لن تستمر إلى الأبد. فحدود مصر لم تعد هادئة منذ زمن، وهناك محاولة تنفيذ عملية مرة كل شهرين على الأقل، والقيادة الإسرائيلية تحرص على كرامة المصريين وتخشى ان تعطس بقربهم أو أن تطلب منهم، لا سمح الله، أن يفعلوا شيئاً». وخلص فيشمان إلى أنه «لن يكون هناك مناص، فإسرائيل تقترب من نقطة ستضطر فيها إلى ان تعالج بنفسها سيناء مع كل ما يحمل ذلك من معان، ويشمل ذلك العلاقات مع مصر، وإلا فسيكون هنا حمام دم بصورة لم نعرفها الى الآن».
وتحت عنوان «معضلة سيناء»، كتب بن كسبيت في صحيفة «معاريف» أن التحدي الأمني الذي باتت إسرائيل تواجهه في الواقع الجديد «مُركّب وعسير أكثر بكثير مما شهدنا في الماضي.. من الآن فصاعداً نحن نقاتل ضد ظلال، ضد شبكات ارهاب، ضد فروع وأجنحة الجهاد على انواعه المختلفة، التي يحتشد فيها الحسد على حقوق الطبع في من يكون أكثر إيلاما لليهود».
وتساءل كسبيت عن المدى الذي يمكن لإسرائيل أن تتجلد فيه إزاء معضلة مواجهة الخطر المتأتي من سيناء بنفسها، وما ينطوي عليه ذلك من خطر استفزاز مصر . ورأى الكاتب أنه في ضوء منازعة (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك في قفصه ووفاة عمر سليمان، فإن «كل ما تبقى لنا هو الاشتياق للعالم القديم الذي كان ذات مرة، وأخلى مكانه للعبة أخطر بكثير».