تتضح اليوم، للمرة الأولى منذ بداية العدوان على اليمن، مؤشرات عن قرب انتهاء العدوان على اليمن. تدرك العائلة الحاكمة في السعودية، يوماً بعد يوم، مستوى «المأزق» الذي يستنزف اقتصاد الدولة، في الوقت الذي تعكس فيه تداعيات الحرب انقساماً حاداً داخل أسرة آل سعود، إضافة إلى تنامي الشعور بالفشل والخيبة جراء فقدان الهيبة، وتلوث السمعة داخلياً وخارجياً.
فعلى الرغم من استمرار العدوان منذ ثمانية أشهر، لم تستطع السعودية أن تقدّم أي منجز عسكري على الأرض. أما ما عُدّ نصراً سعودياً بعد استعادة الجنوب اليمني، فسرعان ما تلاشى بسبب طغيان «القاعدة» و»داعش» على المشهد وامتلاكهم زمام الأمور على الأرض. هذا الأمر أفقد «التحالف» القدرة على الاستثمار السياسي لورقة الجنوب واستقدامها إلى طاولة المفاوضات، بل إن خطورة الوضع في الجنوب وسيطرة القوى المتطرفة عليه، إضافة إلى تنامي انتشار العصابات المنظمة وعمليات النهب والقتل اليومي في مدن الجنوب، وخصوصاً عدن، يجعل من الوضع في الجنوب عبئاً يتحمل الاحتلال مسؤولية الوصول إليه على المستويين القانوني والأخلاقي. في المقابل، يعدّ الوضع الراهن في الجنوب «أنصار الله» نقطة قوة، بفعل وضوح رؤيتها أثناء وجودها في الجنوب حين أعلنت استعدادها لتسليم مدنه لقوى «الحراك الجنوبي». وكان البحث جاريا عن صيغة تمنع القوى المتطرفة من السيطرة على المدن والانتشار فيها، غير أن السعودية رفضت هذا الاقتراح.
الخبراء ومراكز الدراسات والأبحاث وكبرى الصحف الغربية التي ظلت صامتة منذ بداية العدوان الذي بات يطلق عليه لقب «الحرب المنسية»، خرجوا منذ أسابيع قليلة عن صمتهم واعترفوا بأن السعودية لا تمتلك استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف من خلال استمرارها بالحرب، كما أنها لم تضع استراتيجية للخروج من الحرب تمكنها من الحفاظ على سمعتها وهيبتها، إضافة إلى التكلفة الباهظة للحرب على المستويين المادي والمعنوي.

تعلم الادارة الاميركية أن القضاء على «أنصار الله» أمرٌ مستحيل
وأفرد هؤلاء العديد من الدراسات والمعلومات والتحليلات والمقالات للقول إن ممارسات السعودية في هذه الحرب تدلّ على عدم خبرة في وضع أهداف قابلة للتحقق، حيث أن الحرب تخاض في العادة من أجل تحقيق نتائج سياسية، بينما صيغت أهداف هذه الحرب على قاعدة غالب ومغلوب أو على قاعدة الهزيمة الكاملة لليمن.
أدارت السعودية المفاوضات السياسية مع اليمن من خلال الأمم المتحدة، كما أدارت العمليات العسكرية من دون أن تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الميدانية والواقع على الأرض الذي لم يكن لمصلحتها منذ بداية الحرب. تعاطت الرياض مع المسار السياسي لا من خلال الأوراق التي تستحضر عادةً على طاولة المحادثات، بل انطلاقاً من أحقية وصايتها على هذا البلد. هي تناست أن الوصاية التي أوكلت إليها على اليمن، إنما كانت تستمد قوتها من نظام الهيمنة العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأن متغيراَ جوهرياَ حصل في المنطقة بانسحاب الأميركيين منها، وأنه بدلاً من الحضور المباشر لواشنطن بإدراة ملفات الشرق الأوسط، بدأت تدير هذه الملفات من خلال حلفائها ومن بينها السعودية الذين اثبتوا عجزاً عن تحقيق المصالح المشتركة لـ «الطرفين» من دون التفاهم مع محاور الصراع الأخرى في المنطقة.
أما واشنطن فقد عملت على إعطاء الوقت الكافي لآلة الحرب السعودية مع دعمها الاستخباري واللوجستي المباشر. فقد وصلت الادارة الاميركية إلى قناعة تامة بأنه لم يعد هناك مجال لسياسة الإقصاء والإلغاء بحقّ أطراف أساسية على الساحة اليمنية «أنصار الله» و»المؤتمر الشعبي العام». هي تحاول اليوم مسك العصا من الوسط، وتعلم تماماً أن القضاء على «أنصار الله» أمراً بات مستحيلاً، لذا تحاول محاورتهم عبر وسطاء (المؤتمر الشعبي العام)، ومن جهة ثانية تحاول الاستفادة من العدوان مع حليفها السعودي في محاولة لجعل تأثيرهم محدوداً في أي عملية سياسية مقبلة.
ما كان يقال في السرّ عن انتهاء وقت العدوان على اليمن من جانب الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة وبريطانيا أصبح يقال بالعلن اليوم. ويبدو أن الغرب أعطى مهلةً قد تكون الأخيرة حتى منتصف الشهر الجاري (موعد بدء المحادثات بحسب إعلان المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ(الصورة))، لتحقق السعودية أي منجز ميداني حتى لو كان بسيطاً يقدم على طاولة المفاوضات، ما يسهل عليها ادّعاء النصر.