قميص الفتنة يسير الى الابتذال المعتاد. الروايات تختلف. تبحث عن أناقة مفتعلة ومشاعر متحولة تسير باتجاه طائفية الضحية. الكذب سيد هنا، والمشاهد مملة، خاصة بعد انسحاب الممثلين التقليديين حين كان الجميع يكذب وبكامل الأناقة الضروية لمجتمع يدّعي التحضر.
الشيخ يقبّل القسيس و«إلي في القلب في القلب يا كنيسة... أو يا جامع».
إنها مذابح الضحايا. القاتل والقتيل ضحيّتا أكاذيب كبرى عن وحدة وطنية ليست موجودة في الواقع. ونظام غاب معه العدل العمومي إلى حد مخيف.
مصر أصبحت غابة. وهي غابة فعلاً لا موقع فيها إلا للوحوش المفترسة… وعلى الحيوانات الأليفة البحث عن قطعان تحميها من هجمات الوحوش.
لهذا يبحث المسلم عن المسلمين ويختبئ المسيحي تحت خيمة الكنيسة. والكنيسة حولت المسيحيين إلى شعب منفصل بقيادة البابا. والنظام استراح للتعامل مع شخص واحد يتكلم باسم المسيحيين، وتحول البابا من قائد ديني إلى زعيم سياسي وأمير طائفة يريد أن يضمن نصيب شعب طائفته.
هي حرب أهلية غير معلنة، لكنّ تفاصيلها أصبحت واقعاً يومياً يزداد ضراوة كلما غاب الأمان العادي. أمان الشخص الصغير بأنه يعيش تحت مظلة دولة توفر له الحدود الدنيا للحياة الآدمية.
لماذا يفتش الجميع في الهوية الدينية؟ لماذا أصبح سؤال أنت مسيحي أم مسلم عادياً؟ لماذا تراجعت رغبة المجتمع كله في الدولة المدنية الحديثة التي لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي ولا بين بحراوي وصعيدي أو غني وفقير. لا فرق في الحقوق الاساسية ولا توزيع مناصب حسب الحصص الطائفية.
في مصر تتوزع المناصب حسب حصة طائفية. ولا يمكن مسيحياً أن يتجاوز حدود مناصب معينة في الدولة أو الجيش أو في المناصب الحزبية. هذا واقع موجود من بعد ثورة يوليو. ولا أحد يريد أن يواجهه… ولا أن يتعامل معه.
الجميع، حكومة وأهال، حزب وطني ومعارضة، يرفعون الشعار السخيف: الوحدة الوطنية ويحيا الهلال مع الصليب. وعندما اشتعلت فتنة الزاوية الحمراء، قبل اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، رفعت كل صحف النظام شعاراً أراه أسخف: وحدة عنصرَي الأمة.
السخافة ليست في الشعار. ولكن في أنه كان مرفوعاً في ثورة ١٩١٩، لحظة تكوّن الأمة المصرية خلال الثورة التي قادها سعد زغلول، وانصهار الطوائف في دولة حديثة لا تعرف باللون والجنس والدين.
وبعد ما يقرب من ١٠٠ عام، عندما نرفع الشعار نفسه، فإن ما يحدث خطيئة كبرى لن يحلها سوى الاعتراف أولاً بوجود المشكلة.
ما يحدث هو «الطرمخة» من الجميع. وفي الوقت نفسه تتغلغل الطائفية إلى حد تشتعل فيه الحرب أهلية تحت كل سرير وفي كل زاوية ولا يشعر المجتمع بالنار.
رصاصات عيد الميلاد هي تعميد للكراهية. وصور الشهداء تكريس للفرقة والانشقاق. عندما يكون ضحايا المذبحة شهداء المسيحيين، فهذا يعني أن هناك انتقاماً قادماً أو دماً معلقاً يخص طائفة ضد طائفة أخرى.
ومن هذه تتكوّن ميليشيات الطوائف. ولا يخفى على أحد أن هناك أمراء سريين لكل طائفة يلعبون فيها على العاطفة الدينية ويصورون ما يحدث في مصر على أنه معركة سيطرة بين المسلمين والمسيحيين.
لا تصلح الشعارات القديمة هنا، ولا القبلات التلفزيونية. تصلح فقط إرادة سياسية جديدة لبناء دولة مساواة حقيقية على مفاهيم المواطنة تلغى فيها خانة الديانة والحصص الطائفية غير المعلنة.
المجال لا يتسع لمحفوظات تهبط من رفوف الوحدة الوطنية، أو مشاهد مبتذلة لأحضان وقبلات القس والشيخ، ولا لكليشيهات الحديث عن النسيج الوطني.
الرتق في النسيج لن يؤدي إلى إعادته إلى أصل لم يعد موجوداً هنا والآن حرب مظلوميات أفرزت وعياً بالهوية الطائفية. أنت لست مسلماً إلا في الأزمات أو في صراع المساحات، وأنت مسيحي عندما تطلب نصراً على محيطك الذي يريد ابتلاعك.
استعراضات القوة ليست دينية أو من أجل الإله أو الرمز الديني بقدر ما هي دفاع عن مساحات في مجتمع عاش طويلاً بدون عقل يفكر في استيعاب النمو السكاني، فاكتظت المساحات القديمة وطردت الى هوامشها الأضعف.
حاجز نفسي هو ما قد تبنى عليه طائفية بدون وعي بها، أو بمجاورة مع محفوظات الوحدة الوطنية، أو في مواجهة أقوى رابطة وطنية في هذه المنطقة.
الهويات القاتلة ظهرت في مصر مع الإخوان المسلمين، وها هي تشتعل عندما عبر هؤلاء الى السلطة بقميص الثورة.
قميص محروق، هذا كل ما في الحكاية المعلنة، لكن خلفها تختفي حكايات أوسع وأكبر لا يزال الشارع المصري رافضاً الإقرار بها.



طبعة نظيفة لنظام مبارك

«عاوزين نعيش»، شعار حملة جديدة تطالب بتوافر أولويات الخدمات الغائبة. الحياة صعبة في ظل تسارع موجات انقطاع الكهرباء والمياه وتراكم أهرام الزبالة في شوارع مصر. مبادرات الرئاسة لا تبشر بالخير، ومتطلبات الحياة تشير إلى «أيام لونها غامق»، كما يقول الرجل الخمسيني، مشيراً إلى اضطراب مثير للقلق وبدون أفق لتغيير في معدلات الحياة. فالحكومة الجديدة عادت بوزير داخلية مؤمن بالطوارئ ويبشر بكمائن أمنية، والإعلام يتراوح بين معزوفات الاستقطاب حول المرسي، أما الخدمات فقد أصبحت في أيدي عناصر إخوانية والباقي فلول، وتجديد لشبكات اتصال مع مجتمع البيزنس القديم.
إنه نظام مبارك في طبعته النظيفة وفي معاناة ما بعد الحرب. هذا كل ما يجعل الحياة طلباً وليس ممارسة. وهذا ما يبدو أنه سيعاد تشكيل مجتمع
مبارك ولكن بدون فساد أولي، وهو مجتمع بلا عدالة يوزع الفقر على الغالبية ويجعل ماكينة المال تسير باتجاهات ومسارات مرتبطة بنخبة مختارة، تتسع هذه النخبة مع حكم الإخوان، لكنه اتساع لا يغير الوضع الذي قامت ضده الثورة، لكنه يزيد من أثر توأمة غير معلنة بين الفلول والإخوان الى حد مخيف، لأنها هذه المرة ستكون محصنة بالدين، بعد طول تحصينها بالدولة المحتكرة للوطنية.



روح أمير المؤمنين!





المرسي لم يطلق تصريحاته إلا بعد خراب دهشور. تصريحات لم يتبعها طبعاً فعل سياسي أو أمني أكثر من المعتاد أيام حسني مبارك. لماذا لم يخرج المرسي من قصره ويذهب إلى المظلومين المهجرين من بيوتهم، وذهب إلى صلاة الجمعة في قنا؟ ما دامت مؤسسته نائمة، لماذا لا يستيقظ الرئيس الذي تلبّسته أرواح أمير المؤمنين ويسافر ليعيد بنفسه العائلات المطرودة من بيوتها؟ إنها واقعة تثبت أن المرسي والروح التي تتلبسه فاشلة ولا تصلح لهذا الزمن، وأنها مجرد أوهام افتراضية يسكن بها جمهوره ويخدعهم في أوهام مراهقة ليبرر عدم قدرته أو غياب رؤيته في إعادة بناء المؤسسات. لا نحتاج إلى أمير مؤمنين ولا نريد عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز لأنهما لن يوجدا مرة أخرى، والكلام عنهما الآن خارج التاريخ لأن الدولة تغيرت. لماذا تعد بالعدل على طريقة عمر وأنت تعلم أنه لن يتحقق؟ ألا يوجد عدل آخر؟ ألا تستطيع قيم العدل أن توجد في الظرف الراهن وبمعايير هذا الزمن وعبر مؤسسات دولة، لا بوعود رئيس يريد أن يسير الجمهور خلفه في عالم افتراضي؟ وهناك فرق بين التعلم أو الاستفادة من شخصية ملهمة مثل عمر بن الخطاب أو تتلبسك روحه في زمن غير زمنه. فإما أنك تريد أن تتحول إلى أضحوكة أو سيكون هذا أداة من أدوات تحول الاستهبال إلى وسيلة من وسائل الحكم. نحتاج إلى رئيس يغير عقل السلطة ولا يسير على خطاها القديمة، لكن بملابس جديدة. لا يعني أين يصلي الرئيس؟ ولا ماذا قال في خطبته ما دام يعيد إنتاج كلام مبارك. ما الفرق بين ما قاله مرسي في جريمة دهشور وما كان يقوله مبارك؟ وما الفرق بين تبرير مرسي لأزمات الكهرباء وما كان يفعله مبارك عندما يتهمنا بأننا شعب مستهلك؟ إنها نفس عقلية إدانة الفرد لكي تبدو السلطة مظلومة بحكمها لهذا الشعب.
إنها تربية المواطن المذنب، هو الذي اضطر الدولة بمؤسساتها الى تهجير المسيحيين من بيوتهم بسبب مشاجرة عادية حول قميص محروق وليس الفشل في إدارة الأزمات واستسهال الركون إلى عناصر القوة والجلسات العرفية في دولة حديثة ولا يؤدي الاحتكام فيها الى قوة «العرف» إلا إلى كوارث.
ورغم تكرار الكوارث من مبارك إلى مرسي، إلا أن السلطة لا تفكر في طريقتها، لكنها تريد الخروج بريئة ومظلومة بالضبط كما يحدث في أزمات الكهرباء. يحدث هنا فقط في دولة يتوارث الاستبداد فيها تصنيع مواطن يعيش ويموت وعلى رأسه الشعور بالذنب. يحدث أن توجه الدولة لك اللوم قبل أن تطلعك على الحقوق، وربما لا تطلعك. وهذا على فكرة يحدث في دول لا يتلبّس فيها الرئيس روح أمير المؤمنين.



ما قل ودل

أحالت المحكمة الدستورية العُليا في مصر، أمس، على هيئة المفوضين فيها، ثلاث دعاوى أُقيمت ضد قرار رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي، القاضي بعودة مجلس الشعب المنحل إلى الانعقاد. وقال مصدر قضائي، إن الدعاوى طالبت بوقف قرار مرسي وإلزامه بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العُليا بحل البرلمان «على اعتبار أن أحكام المحكمة الدستورية هي أحكام نهائية وغير قابلة للطعن بها بأي صورة من الصور».
(يو بي آي)



الجماعة بين الشطّار والقطبيّين




الشطار ليسوا وحدهم في جماعة الإخوان المسلمين. القطبيون هم النصف الآخر أو المركز الصلب أو القوة المحركة للجماعة. الشطار هم الجزء الخفيف الأكثر قدرة على الحركة أو الإمكانية على تكوين مراكز أخرى ليست بثقل القطبيين، لكنها تمثل بما يملكه خيرت (الشاطر) من إمكانيات «رجل في السوق» قدرات هائلة على الحركة وشغل الفراغ الممكن. خفة الشطار تشبه سوق التجار الذين يتحركون فيه تقوم على المنافسة والرغبة في الاستحواذ والاحتكار واستعراض العضلات. هذه العقلية ترى النظام السياسي في سوبر ماركت (يوفر احتياجات الطبقة الوسطى من استهلاك غذائي) وشركة أوراق مالية (تدير الوفرة المالية المتراكمة من التجارة والتوكيلات). في المقابل، هناك النصف المخلص لفكرة سيد قطب. محمود عزت (النائب الثاني للمرشد) هو القوة الخفية للقطبيين. رجل الظل. محرك الأحداث من وراء ستار إلى آخر أوصاف الوضع المعقد في جماعة الإخوان المسلمين. قوة محمود عزت كشفت الأكثر تأثيراً في غياب الشاطر. والصراع بينهما مؤثر الى درجة كبيرة في جماعة تدار بتراتبية تقترب من الكهنوت السري.
من أين قوة عزت؟ الرجل الأقرب من منصب المرشد لا يريده. وهذا يمنحه حق توزيعه لمن يشاء أو يرى أنه المناسب لتنظيم عاش ٨٠ سنة تقريباً، وما تزال نواته الأصلب في القلب. نواة تطرد الجديد وتحوله إلى قشور تتطاير عند أول صدام كما حدث مع «تيار الانفتاح».
تركيبة مكتب الإرشاد هي حصيلة انتصار التيار القديم المسمى «الحرس الخاص». قوة التنظيم في قديمه. وسر الجماعة في نواتها الصلبة لا في محاولات تطويرها.
محمود عزت هو المحرك الذي لا يعمل وحده. لكنه يحافظ على سر الجماعة. جماعة إعادة تربية المجتمع على كتالوغ وضعه حسن البنا ومجموعة المؤسسين الأوائل في ١٩٢٨. الجماعة تمزقت مؤخراً بين صورتها القديمة حول نفسها وبين تفكيكها إلى جسدين كبيرين : جماعة دعوة وحزب سياسي. التمزق ازداد في الفترة الأخيرة
بعدما استقر الإخوان على أرض سمح بها النظام واستراح لاقتسام سلطة «افتراضية»: الحكم والثروة للنظام وحاشيته والسقف الأخلاقي للإخوان بشرط عدم تجاوز الحدود... الإخوان يدفعون اليوم فاتورة الخروج من العمل السري إلى السلطة.