رام الله | «حتى في الأيام العادية، إنك توقف قدام بيتك في البلدة القديمة في الخليل خطر! إنت معرض للقتل في أي لحظة!»، يقول الحاج مفيد الشرباتي، أحد سكان وسط الخليل، وتحديداً في شارع الشهداء، وهو يستذكر مئات الاعتداءات وعشرات الشهداء الذين ارتقوا في المنطقة وغيرها من مناطق المدينة وقراها.
رغم الضغط والإجراءات الإسرائيلية الشديدة وانتشار المستوطنات والمستوطنين حول الخليل، لا تزال المدينة نقطة «قلق وفوضى» للاحتلال. عمليات المقاومة الحالية، التي تراوحت بين الطعن أو الدهس، إضافة إلى الغضب الشعبي هذه الأيام، تعود بالذاكرة الفلسطينية إلى ما قبل 13 عاماً، حينما نفذ مقاومون من الخليل عملية «زقاق الموت» قرب الحرم الإبراهيمي، في الخامس عشر من تشرين الثاني 2002، وقد قتل فيها 12 جندياً وضابطاً، منهم مسؤول عسكري كبير، بعد معركة استمرت أكثر من خمس ساعات.
المواجهات هذه الأيام ليست مثل تلك الأيام بالنسبة إلى السلاح المستخدم، ولكنها بالإرادة نفسها والتضحية أيضاً. فقد ارتقى 26 شهيداً من الخليل، 23 منهم على الأقل نفذوا عمليات ضد الاحتلال. هؤلاء هم النسبة الكبرى من 73 شهيداً في مجمل الأراضي الفلسطينية. كذلك زاد عدد جرحى المحافظة على 1100 خلال المواجهات الموزعة على 19 نقطة تماس مع الجيش والمستوطنين، في المدينة وحولها.
وبدأت الخليل أمس صباحها بشهيد جديد، هو ابن السبعة والعشرين عاماً فادي حسن فروخ، الذي أعدمته قوات الاحتلال في بيت عينون قائلة إنه حاول طعن جندي. لكن وزارة الصحة الفلسطينية قالت إن قوات الاحتلال أطلقت النار على شاب شمالي الخليل، ومنعت سيارات الإسعاف من تقديم العلاج له، ما أدى إلى استشهاده.
«مدينة الشهداء» لم ترضَ أن تبقى جثامين شهدائها محتجزة لدى العدو، فخرجت قبل أيام بمسيرة كبيرة للمطالبة باستعادة الجثامين لدفنها كرامة لها. ولوحظت المشاركة الكبيرة في تشييع الشهداء خلال اليومين الماضيين، ولا سيما جنازة الشهداء الخمسة الذين سلمهم الاحتلال، (بيان اعسيلة، ودانيا ارشيد، وحسام وبشار الجعبري وطارق النتشة)، وحمل فيها المتظاهرون السكاكين والسواطير في رسالة لمواصلة الهبّة الشعبية.
تلت هذه الجنازة أخرى للشهيدين رائد جرادات من بلدة سعير، شمال شرق الخليل، ومحمود غنيمات من صوريف (شمال غرب)، اللذين تسلم ذووهما جثمانيهما فجر أمس، وشيّعتهما المدينة ظهراً، واندلعت عقبها مواجهات عنيفة في مختلف مناطق المحافظة وقراها.
وكان من المفترض تسليم جثامين خمسة شهداء آخرين من الخليل بعد منتصف الليلة قبل الماضية، لكن ذلك لم يتم بسبب الرفض الرسمي والأهلي والشعبي لطلب الاحتلال دفنهم لحظة تسلّمهم. يقول محافظ الخليل، كامل حميد، إن «القيادة الفلسطينية لن تقبل شروط الاحتلال، وهي مستمرة في جهودها للإفراج عن باقي الجثامين».
وفيما يتبقى 10 جثامين لشهداء من الخليل لم يسلمهم الاحتلال لذويهم، يقدّر مراقبون أن إسرائيل ترى أن الاستمرار في احتجاز الجثامين يزيد الغضب الشعبي، لكنها في الوقت نفسه لا تريد رؤية مشاهد التشييع الجماعية والالتفاف الجماهيري الفلسطيني.
مساء الخليل أمس انتهى بإغلاق قوات الاحتلال مداخل بلدة سعير (شرق)، مع تشديد إجراءاتها في محيط المدينة. وقد انتشر الجنود بآلياتهم العسكرية على الطرق الرابطة بين البلدة ومحيطها، ودهموا المركز الطبي في البلدة وحطموا بعض محتوياته، في ظل استفزاز كبير بعد عملية دهس على مفترق بيت عينون، جنوب سعير، أدّت إلى إصابة ثلاثة جنود.
إلى ذلك، قال موقع «واللا» الإسرائيلي، أمس، إن شرطة العدو قرّرت تغيير قواعد إطلاق النار على الفلسطينيين، ونقلت في تعليماتها الجديدة لعناصرها أن الألعاب النارية أداة قاتلة، لذلك يسمح للقوات بإطلاق النار على المتظاهرين الذين يستعملون الألعاب النارية.

قائمة الشهداء المحتجزين جثامينهم لدى الجيش الاسرائيلي في الفترة 8\10\2015 الى 30\10\2015