سيناء | زادت الطين بلة في كارثة الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، مسارعة «ولاية سيناء ــ داعش» إلى تبني إسقاطها بصاروخ موجه، لاستغلال الموقف السياسي وإكمال السردية القائمة عن محاربة الروس، وإن كان ذلك لا ينفي احتمالية أن إسقاط الطائرة عملية مدبرة.على الصحافي أن يسير في طريق صخرية وعرة كي يصل إلى منطقة الحسنة، إحدى مدن محافظة شمال سيناء، التي تبعد عن عاصمتها العريش نحو 120 كلم، حيث سقطت طائرة الركاب الروسية بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ في حادث غامض، صباح أول من أمس، فوق جبل أم حصيرة.

وعلى مدى يومين، تبحث فرق الإنقاذ عن جثث ركاب الطائرة البالغ عددهم 212 مع سبعة من أفراد الطاقم، وسط تخبط واضح لكوادر غير مدربين أو مؤهلين للتعامل مع مثل هذه الحوادث، وخاصة أن الفرق تبحث عن أشلاء وحطام بين ممرات جبلية ضيقة وأودية يرجح أنها تناثرت فيها، من دون معلومات أو تجهيزات حديثة.
حالة ارتباك جعلت السلطات تتمنع عن الحصول على مساعدة الأهالي من سكان المنطقة القريبة، ولكنها بعد ساعات اضطرت إلى الاستعانة بعدد من أبناء قبيلتي التياها والترابين للوصول إلى موقع سقوط الطائرة، بالتزامن مع إعلان إسرائيلي بتزويد المصريين بمشاهد التقطتها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، التي لا تنفك أصلا تحلق في أجواء سيناء!
ومن بين الـ224 ضحية استطاعت السلطات والطاقم الروسي المنقذ انتشال جثث 173، نقلت تسعة منها في سيارات إسعاف خاصة من موقع الحادث إلى القاهرة، فيما نقلت بقية الجثامين بواسطة طائرات إسعاف إلى مطار كبريت في السويس.
ووسط إعلان الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ضرورة التروي للحكم على السبب الذي أسقط الطائرة، وعمل الفرق المصرية والروسية على تحليل ما هو مسجل في الصندوقين الأسودين للطائرة، استمعت أجهزة عسكرية إلى شهادات عدد من أهالي مناطق خريم واقرية التابعة لمركز الحسنة والقريبة من موقع سقوط الطائرة.

يقول مسؤولون إنهم أبلغوا
الطائرات ألا تحلق لأكثر من
7 آلاف متر فوق سيناء

قال شهود العيان إنهم شاهدوا الطائرة وهي مشتعلة في السماء على ارتفاع عال، ثم بدأ الجسم المشتعل يتهاوى حتى سقط بين جبال أم حصيرة وخريم، ولكنهم نفوا سماعهم أو ملاحظتهم أي صوت لصواريخ أو ارتطام أجسام أخرى بالطائرة.
وتشدد قوات الأمن عمليات التفتيش في كل الطرق المؤدية إلى الحسنة، في الوقت الذي يروي فيه أبناء القبائل ممن شاركوا في عمليات البحث عن الأشلاء والحطام أن الكارثة كانت كبيرة. يقولون إنهم وجدوا متعلقات لأطفال كقصص وألعاب وكتب مدارس وحقائب سيدات، وبقايا أشلاء لأطفال صغار وملابسهم. وينشغل أهالي المدينة في نقل هذه الروايات بينما يتواصل توافد العشرات من ممثلي وسائل الإعلام المحلية والعالمية المشاركين في تغطية البحث عن حطام الطائرة المنكوبة، وهؤلاء إلى وقت قصير كانوا ممنوعين من الدخول إلى سيناء لتغطية الحرب الجارية فيها، وها هم اليوم يقضون لياليهم في الشارع الوحيد المار وسط المدينة، حيث افترشوا الأرض بعدما لم يجدوا مكانا للمبيت لأنه ما من فنادق.
حملنا رواية «داعش» وتبنيه إسقاط الطائرة إلى مسؤول «الأمن القومي» السابق في شمال سيناء، اللواء شريف إسماعيل، الذي شرح أن المعلومات تشير إلى أن الطائرة الروسية كانت تسير على ارتفاع 10 آلاف متر، وهو أكثر بكثير من حد السلامة، وخاصة أن «السلطات المصرية في مطلع هذا العام أمرت بحظر الطيران فوق ارتفاع 7000 متر في شبه جزيرة سيناء».
صورة عبر الأقمار الصناعية لمنطقة تحطم الطائرة (روسيا اليوم) | للصورة المكبرة انقر هنا


لا يظن إسماعيل أن يكون «داعش» وراء إسقاط الطائرة الروسية كما ذكر بيانه، ورأى أن سبب ذلك هو محاولة «كسب إنجاز بعد محاصرة التنظيم في مناطق شرق العريش والشيخ زويد ورفح»، وخاصة أن حوادث الطيران يشوبها الغموض في مراحلها الأولى.
وعن عملية البحث، يضيف مساعد وزير الداخلية لأمن شمال سيناء، اللواء علي أبو زيد، أن فرق التحقيقات تعكف على فحص أشلاء ومتعلقات الركاب ومحاولة البحث عن روايات لشهود عيان جديدة في المنطقة، وأيضا تكثيف التحريات الأمنية حول طبيعة المنطقة للوصول إلى نتائج جديدة وأدلة تبين حقيقة سقوط الطائرة.
في الوقت نفسه، ذكرت مصادر أنه يجري نقل أجزاء من الطائرة المنكوبة بواسطة شاحنات باعتبار أنها من أدلة التحقيقات، وقد كان الحطام متناثرا على مسافة تقارب الكيلو متر، علما بأن كابينة الطائرة ظهرت متماسكة فيما الأجزاء الأخرى ظهرت كحطام متناثر بين الأودية.
أما الرواية الروسية، التي أعلنتها «هيئة الطيران في رابطة الدول المستقلة»، فهي أن الطائرة الروسية تحطمت في الأجواء ومن المبكر الحديث عن الأسباب، مشيرة إلى أن لجنة دولية مؤلفة من خبراء روس ومصريين وفرنسيين تعمل على فحص ما جرى.
وتطرح التقديرات ثلاثة احتمالات: الخلل الفني (الطائرة تستخدم منذ أكثر من 18 عاما)، والتقصير البشري (فريق الصيانة أو الكابتن، لكنه صاحب خبرة وحلق أكثر من 12 ألف ساعة)، واحتمال الاعتداء الإرهابي.
في الوقت نفسه (أحمد جمال الدين)، يتخوف المصريون من تأثيرات كبيرة في قطاع السياحة المتضرر بعد هذا الحادث. وقد أعلنت كل من الخطوط الجوية الفرنسية و«لوفتهانزا» الألمانية وقف التحليق فوق سيناء، وكذلك فعلت شركات طيران إماراتية أخرى، فيما يتوقع أن تتخذ شركات أخرى القرار نفسه، حتى يتبين سبب سقوط الطائرة، كما تواردت أنباء عن أن شركة «كوجاليمافيا» أبلغت منع استخدام طائرات «إيرباص ــ إيه321»، ولكن الشركة لم تؤكد ذلك.
في هذا السياق، يقول رئيس «اتحاد الغرف السياحية»، الهامي الزيات، إنه يتوقع تأثيرا محدودا للحادثة على السياحة المصرية، لأن «الشركات العالمية المنظمة للرحلات المنتظمة أو رحلات طيران الشارتر إلى سيناء لم تلغ أو تؤجل أي حجوزات»، ولكنه نبه إلى أن وقوع الحادث خلال أيام العطلة الأسبوعية قد يكون أجّل بعض الإجراءات التي ستتضح اليوم (الإثنين). وأضاف الزيات: «اذا تبين أن سقوط الطائرة لأسباب تقنية فسيساهم ذلك في تقليل الخسائر المتوقعة، كما أن وسائل الإعلام استبعدت فرضية استهداف داعش للطائرة». ومن المقرر أن يبدأ وزير السياحة، هشام زعزوع، جولة ترويج في بورصة لندن الدولية للسياحة التي تنطلق اليوم وتستمر على مدار ثلاثة أيام، كما سيحضر قمة وزراء السياحة التابعة لمنظمة السياحة العالمية، ثم سيعقد لقاءات مع مسؤولي الشركات الدولية لبحث تداعيات الحادث على السياحة في مصر.
ويخشى القائمون على السياحة المصرية تضرر القطاع الذي يعد ثاني أهم موارد العملة الصعبة خلال موسم الشتاء المقبل، ويمثل السياح الروس نحو30% من الوافدين. ومدن شرم والغردقة هي الأقل تكلفة بالنسبة إلى الروس، الذين ساهموا في إنعاش القطاع السياحي بعدما عانى ركودا كبيرا منذ «25 يناير».