للمرة الأولى منذ تأسيسها، تقف إسرائيل أمام محطة مفصلية تهدف إلى إلزام المتدينين الحريديم وفلسطيني الـ48 بالتجنّد في الجيش أو الخدمة المدنية، بفعل حراك سياسي شعبي داخلي، أسهم في الضغط على المؤسسة السياسية وإنضاج الظروف لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التعهد «بتغيير تاريخي في توزيع عبء (الخدمة العسكرية)، وزيادة عدد الذين يتحملون العبء، بنحو كبير، مع الحفاظ في الوقت نفسه على وحدة الشعب». والقول في بداية جلسة مجلس الوزراء إنه «بعد 64 سنة لم تجر خلالها معالجة المشكلة جيداً، ها نحن في بداية مسار تاريخي، يتمثل في مشاركة أكبر لليهود المتشددين والعرب في الخدمة العسكرية».
أتى قرار رئيس الوزراء، الذي يمثّل مفصلاً في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، بعدما صدّقت كتلة حزب الليكود، بالإجماع، على المبادئ التي حددتها لجنة بلسنر، والتي تضمنت الدعوة إلى فرض الخدمة العسكرية على اليهود الحريديم والفلسطينيين في إسرائيل، وفي أعقاب تظاهرة جماهيرية في تل أبيب شارك فيها نحو 20 ألف شخص للمطالبة بفرض الخدمة العسكرية والمدنية على الحريديم والعرب.
وكانت اللجنة قد اقترحت تجنيد 80% من الشبان الحريديم وتغريم كل شاب حريدي يرفض التجنّد أو الخدمة العسكرية ومنعه من الحصول على حقوق ومخصصات من مؤسسة التأمين الوطنية. ودعت إلى تحديد قضية تجنيد الشبان الفلسطينيين من خلال القانون، وأوصت بتحديد غايات عددية واضحة للخدمة المدنية المخصصة لهم، وأن يزاد عدد العرب الذين يؤدون الخدمة المدنية بمعدل 600 شاب كل عام، بحيث يصبح عددهم في عام 2018 بحدود 6000 شاب عربي في الخدمة المدنية.
في خضم ذلك، أعلن مكتب نتنياهو اتفاقاً مع نائبه شاؤول موفاز، رئيس حزب «كديما»، على تأليف فريق لصياغة مشروع قانون تقاسم أعباء الخدمة العسكرية.
في مقابل قرار «الليكود»، والاتفاق بين موفاز ونتنياهو، عبَّر الزعيم الروحي لحزب شاس الحاخام عوفاديا يوسف، عن معارضته تجنيد الحريديم. ورأى أن توصيات لجنة بلسنر «تقلل من كرامة التوراة بينما جبال إسرائيل ليست موجودة إلا بفضل التوراة، ونحن محاطون بكارهين، فهناك إيران وحزب الله وفلسطينيون أشرار تجاه شعب إسرائيل، ومن سينقذنا منهم؟ التوراة. ولو لم يكن هناك دارسون للتوراة، لما تم خلق العالم أبداً».
أيضاً، حاول وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان تبريد الحماسة إزاء «اللحظة التاريخية» التي أعلنها نتنياهو، وأعلن حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يترأسه ليبرمان، أن أعضاء الكنيست الـ15 الذين ينتمون إلى الحزب، سيصوّتون ضد اقتراح القانون الجديد الذي بلوره «كديما» والليكود، لتجنيد الحريديم، وفق مبادئ لجنة بلسنر. ورأى ليبرمان أن «هذا القانون ليس الذي نريده».
رغم ذلك، قدّرت مصادر سياسية أن من غير المتوقع أن يستقيل حزب ليبرمان من الائتلاف الحكومي، وأن الطرف الذي من الممكن أن يستقيل من الحكومة هو يهدوت هتوراة. أيضاً في ما يتعلق بكديما نفسه، من غير الواضح إن كان سيصوّت بأكمله لمصلحة القانون.
يُشار إلى أن هذا الحراك على خلفية القضية بعد قرار اتخذته المحكمة العليا الإسرائيلية لدى نظرها في التماسات ضد إعفاءات وامتيازات بالخدمة العسكرية الحريديم بموجب ما بات يُعرف بـ«قانون طال»، وقد قررت المحكمة إلغاء سريان هذا القانون ابتداءً من مطلع شهر آب المقبل. ويذكر أن «قانون طال» الذي ينتهي سريانه مطلع الشهر المقبل يعفي الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية.