رغم أن الشرق الليبي كان سبّاقاً في قيادة الانتفاضة على الزعيم الراحل، معمر القذافي، إلا أنه اليوم، ومع إجراء أول انتخابات في عهد «الدولة الجديدة»، لا يبدو راضياً على الوضع، إذ لا يزال ساعياً نحو التمرّد. تمرّد عبّر عنه مع إعلان بعض مكوناته تشكيل اقليم يتمتع بحكم ذاتي والدعوة الى مقاطعة الانتخابات التشريعية. ويرفض هؤلاء التوزيع المقرر للمقاعد (مئة للغرب وستون للشرق واربعون للجنوب) ويريدون عدداً متساوياً من المقاعد للمناطق الثلاث. كذلك، قاموا الاحد الفائت بتخريب مكاتب مفوضية الانتخابات في بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي، فيما تم احراق مخزن في اجدابيا (غرب) يتضمن لوازم انتخابية. وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى لإقليم برقة عبد الجواد البدين لفرانس برس ان «برقة عانت تهميشا وإقصاءً طويل الأمد سواء في عهد القذافي أو فترة الحكم الانتقالي». واضاف «لن نرضى بأن نهمش مجدداً ولن نسمح بأن تقوم دولتنا الجديدة بشكل أعرج لا تكافؤ فيها في الفرص».
ومثّل الشرق الليبي رأس الحربة ضد الاحتلال الايطالي لليبيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان ايضاً معقلاً للمعارضة ابان حكم معمر القذافي. وتحدر معظم المعارضين من مدينة برقة وواجهوا اضطهاداً من جانب نظام القذافي الذي عمد الى سجنهم او نفيهم او حتى تصفيتهم. وخلال تسعينيات القرن الماضي، وقعت مواجهات دامية وخصوصاً في بنغازي ودرنة (شرق) بين مجموعات اسلامية مسلحة والقوات الليبية النظامية.
كذلك، كان معظم ضحايا مجزرة سجن ابو سليم التي وقعت العام 1996 من ابناء الشرق، ويومها اطلقت قوات النظام الليبي النار على معتقلين اثر تمردهم.
والواقع ان عائلات هؤلاء الضحايا هم الذين اطلقوا شرارة الثورة الليبية ضد القذافي في منتصف شباط/فبراير 2011 والتي ادت في النهاية الى اسقاط نظام الزعيم الليبي ومقتله في مسقط رأسه سرت في تشرين الاول/اكتوبر الفائت. لكن بعد سقوط القذافي، واجهت السلطات الجديدة آلاف المتظاهرين الذين نزلوا الى الشارع في كانون الاول مطالبين بـ«تصحيح العملية الانتقالية» واسقاط المجلس الوطني الانتقالي الحاكم. وقد حاصر هؤلاء مكاتب المجلس في بنغازي واستهدفوه بقنبلة.
ورأى المحلل السياسي معتز ونيس أن «الشرق الليبي ظل أكثر بعداً عن السلطة والحكم، وعانى تهميشاً كبيراً، وسيظل الأكثر مناهضة للحكام، بعكس الغرب القريب من السلطة ومواطن صنع القرار». واضاف لـ«فرانس برس» ان «القذافي تعمد التفريق بين الشرق والغرب عن طريق تهميش أحدهما كلياً، وبالتالي خلق حاجزا كبيرا وهوة واسعة بين الاقليمين»، لافتا إلى ان «هذا الأمر اتضح جلياً بعد سقوط القذافي».
ومساء الخميس، عمد انصار الفدرالية في الشرق الى اقفال مرافئ نفطية احتجاجاً على «اهمال» السلطات لمطالبتهم بعدد اكبر من المقاعد في المجلس التأسيسي، فقد توجه مسلحون مساء الخميس الى مرافئ السدرة ورأس لانوف والهروج والبريقة على طول الساحل الشرقي للبلاد، ليطلبوا منها بطريقة ودية، كما قال المسؤولون المعنيون، وقف عملياتها.
وفي تصريح لوكالة «فرانس برس» خلال الليل، ذكر مسؤول عن العمليات في رأس لانوف الذي يبعد 370 كلم جنوب غرب بنغازي، ان «المرفأ مغلق. عمليات ضخ النفط وتحميله متوقفة».
وحرصاً منه على تهدئة غضبهم، عمد المجلس الوطني الانتقالي الى نزع واحدة من ابرز صلاحيات المؤتمر الوطني المقبل، وهي تعيين اعضاء اللجنة المسؤولة عن صياغة الدستور الجديد. واكد المجلس الوطني الانتقالي ان انتخاباً جديداً سيجرى لتشكيل اللجنة، وان كلاً من المناطق الثلاث سترسل اليها عشرين عضوا، معلناً عن تعديل في هذا الصدد للقانون الانتخابي.
(أ ف ب)