رام الله | لماذا «الجزيرة»؟ ولماذا قرروا تمويل هذا التحقيق الضخم؟ وما هي أسباب ظهور سهى عرفات المفاجئ وحديثها عن سقوط الرؤساء العرب؟ وهل تسعى القناة القطرية إلى استعادة ثقة الفلسطينيين؟ أم إلى تبرئة إسرائيل؟ وكيف كانت «فتوى» الداعية القرضاوي جاهزة لتُعرض بعد التحقيق مباشرة؟ هكذا انقسم الشارع الفلسطيني، حول التحقيق الاستقصائي لـ«الجزيرة»، ولهذا الانقسام أسباب كثيرة.
يؤكد محمد قائلاً: «لأن من بث التحقيق هو قناة «الجزيرة»، لذلك يجب أن يهاجمها الكثيرون. فلو كانت قناة «العربية» أو «بي بي سي» أو غيرهما، لكانوا ضربوا لها تعظيم سلام. إضافة إلى ذلك، لم يتهم تقرير «الجزيرة» أحداً، ولم يوجه اللوم إلى أحد، بل أسهم في إيجاد أدلة جديدة وكشفها، فلماذا كل هذا الهجوم والتحليلات بين السطور؟».
لكن محمود لا يتفق مع هذه الرؤية، ويعتقد أن المطلوب من خلال التحقيق الذي أجرته «الجزيرة» في اغتيال الرئيس عرفات، أولاً تبرئة إسرائيل من اغتياله، وثانياً تبرئة كل من له علاقة باغتياله من قريب أو بعيد، وثالثاً تحسين صورة «الجزيرة» في فلسطين بعدما كرهها الكثيرون، مضيفاً: «وبما أن «الجزيرة» في قطر، فالفيلم إذاً من إخراج هوليوود. كذلك إن مباركة القرضاوي «حامي الحمى» لهذا التحقيق يؤكّد تلك الأهداف».
وبحسب رأي محمود، عملت قناة «الجزيرة» القطرية من خلال «فيلمها الوثائقي» على تبرئة إسرائيل من اغتيال الرئيس عرفات بالسم، وألقت الكرة في الملعب الفلسطيني في محاولة لإشعال الأراضي الفلسطينية وإيجاد بديل للقيادة الفلسطينية بمباركة أميركية.
رائد، بدوره، رأى أن التحقيق «خبيث»؛ لأنه انتهى بطلب «سهى عرفات» بالموافقة على فحص رفات أبو عمار؛ «فهي لا تستطيع أن تقول «لا»؛ لأنها إن فعلت ذلك، فستكون متهمة كما هي الحال الآن مع القيادة، وإذا سهى قالت نعم والقيادة قالت لا، فستكون القيادة متهمة، وهنا ستبدأ الفتنة، وأنا أرى أن الشعب يجب أن يقول لا».
وهو ما اتفق معه حسام إلى حد بعيد بالقول: «مع أن معرفة أسباب وفاة الرئيس الراحل عرفات هي حق لكل فلسطيني، وهي ما طالب به مدير مؤسسة ياسر عرفات ناصر القدوة، لكن موضوع البحث في وفاة الرئيس عرفات موضوع يصلح عنوان لتظاهرة جديدة»، مضيفاً: «والحدق (الذكي) يفهم».
من جهته، يورد إيهاب ملاحظة هي أنه «بعد مشاهدة المواطنين للتحقيق الاستقصائي عن الراحل ياسر عرفات على قناة «الجزيرة»، تم توجيه وسياقة الرأي العام خصوصاً لدى «الفيسبوكيين» باللاوعي وباستخدام تقنيات الإعلام، اعتماداً على تقنية الإبراز للسؤال الأكثر صعوبة وإحراجاً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهو انتشال جثة الشهيد أبو عمار، لفحصها وإثبات ما إذا كان هناك بقايا لمادة البولونيوم».
ويضيف إيهاب: «بالطبع، تطمح قناة «الجزيرة» إلى أن يصبح هذا السؤال قضية رأي عام في الشارع الفلسطيني ضاغط على القيادة الفلسطينية، لأن رفض ذات السؤال وعدم تجاوب القيادة الفلسطينية معه، سيصطدم بما بنته «الجزيرة» باللاوعي للمشاهد الفلسطيني خصوصاً، والعربي عموماً، مفاده أنه قد يكون للقيادة الفلسطينية يد بمقتل عرفات!».
ولنادر دكرت تحليل آخر. يقول لـ«الأخبار» إنه «بعد عشرين عاماً من اتفاقية أوسلو تقرر إسرائيل التخلّص من الرئيس عباس باغتياله سياسياً، وقد بدأ الإعداد منذ نحو سنة، وتطوعت قناة «الجزيرة» بنشر التقارير، حتى وصلنا آخرها المتمثل بالتحقيق في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي يعرف القاصي والداني أنه مات مسموماً، وظهرت طلبات الجهات المختلفة بضرورة تشريح الجثة والوقوف على حقيقة موته». ويضيف: «لم يكن إعلان زيارة موفاز إلا محاولة أخرى لإشعال الموقف، حيث إن خطتهم تتمثل بالوقوف موقف المتفرج لتقول إن الشعب الفلسطيني ثار على قياداته ولا علاقة لإسرائيل بالموضوع. إنها تحاول أن تخلق ربيعاً فلسطينياً مزيفاً ينتهي بإعلان الرئيس عباس حل السلطة، وبالتالي اتهامه عالمياً بالتملص من اتفاقية أوسلو، وهنا تبرز إسرائيل بديلها الذي استعد ووافق على حدود مؤقتة والذي لم يقبل بحكم الضفة الغربية في ظل وجود ضريح عرفات في رام الله».
ويؤكّد دكرت أنه «جرى تحريض السيدة سهى عرفات على فتح الملف، وكل همها معرفة سبب وفاة زوجها، ولا تدري أن خروج الجثمان من رام الله وفتاوى القرضاوي، ما هي الا وسيلة للتخلص حتى من عظام الرئيس الراحل تحضيراً للمرحلة القادمة».



ديختر: إسرائيل لم تشارك!


لم يتأخر الرد الإسرائيلي كثيراً على التحقيق الذي نشرته قناة «الجزيرة» القطرية حول اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وقال عضو الكنيست، الرئيس السابق لجهاز «شين بيت» الإسرائيلي، آفي ديختر (الصورة) إن «إسرائيل لم تشارك في عملية تسميم غذاء أو مواد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات». وأضاف لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «لا الشاباك ولا دولة إسرائيل كانا يعملان في إعداد الطعام لياسر عرفات. لقد كان له أعداء كثيرون من الداخل والخارج». بدوره، رأى محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، أن التحقيق يثير الانفعال وأن الأدلة التي ساقها فعلية تقود إلى استنتاجات صاخبة. وأشار إلى تحقيق كان قد أجراه عام 2005 في الموضوع نفسه ولم يتوصل خلاله إلى أي نتائج مؤكدة لفرضية اغتيال إسرائيل لعرفات. من جهته، رأى محلل الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رونين بيرغمان، أن تحقيق الجزيرة لم يؤدِّ إلا إلى «تعظيم الخافي». ورأى أنّ من الناحية الظاهرية، ثمة أسباباً كثيرة تدعو إلى الاعتقاد أن ظروف وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل كانت طبيعية، لكن «من جهة أخرى، إن الوفاة من دون شك وقعت في توقيت غريب للغاية»، مشيراً إلى تسلم أرييل شارون للحكم في إسرائيل وإعلانه أن السلطة الفلسطينية جزء من المشكلة.